20022010
إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره و نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له .
و أشهد أن لا إله إلى الله ، و أن محمدا عبده ورسوله بلغ الرسالة ونصح الأمة و كشف الله به الغمة و جاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين
أما بعد :
فالله له صفات الكمال فقد قال الله سبحانه : ﴿ وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ ﴾[1] أي له سبحانه الوصف الأعلى الوصف الكامل فكل وصف فيه نقص ليس بوصف له سبحانه ، و كل وصف ليس فيه كمال فليس بوصف له سبحانه ، ومن الأوصاف الدالة على كماله سبحانه القدرة فالله على كل شيء قدير فقد قال سبحانه : ﴿ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾[2] ، ومن تلاعب الشيطان بالناس وسوس لهم بأنه إذا كان الله على كل شيء قدير فهل يستطيع أن يميت نفسه إذا أراد أن يميت نفسه فيجد الإنسان في نفسه حيرة إن قال نعم يستطيع فقد أثبت نقصه سبحانه فمن يريد لنفسه الإماتة ليس بعاقل فضلا عن أن يكون حكيما ، هو يريد تنزيهه عن النقص و يقع في النقص ، وإن قال لا يوسوس له الشيطان قائلا مادام لا يستطيع أن يميت نفسه فليست له القدرة المطلقة فليس على كل شيء قدير تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، و لو أعمل الإنسان عقله قليلا لبان له ضعف هذه الوسوسة و فسادها عن إفسادها فحتى لا يغتر أحد بهذه الوسوسة .
الله له صفة القدرة
قال الله [1] سبحانه[2] في كتابه[3] : ﴿ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾[4] ، و قد بينت الآية[5] الكريمة أن الله سبحانه له صفة القدرة ، فما معنى[6] أن الله سبحانه متصف بالقدرة ، و كي نعرف ما معنى وصف الله بالقدرة فلابد أن نعرف معنى أن صفة الله كذا فنقول الصفة هي ما قام بالذات الإلهية مما يميزها عن غيرها ، و لابد أن تكون واردة في الكتاب أو السنة أو فيهما معا ، و يخرج من قولنا ما قام بالذات ما كان من إضافة المُلْك والتشريف[7] ، و يخرج من قولنا لابد أن تكون واردة في الكتاب أو السنة أو فيهما معا كل صفة لم ترد في الكتاب أو السنة كوصفه سبحانه بأنه مريد أو متكلم ، ومعنى القدرة وصف يتمكن به الفاعل من الفعل دون عجز ، والله متصف بالقدرة أي الله يوصف بأنه يتمكن من فعل الأشياء دون عجز ،و الله على كل شيء[8] قدير أي يقدر على إيجاد المعدوم[9] ، و إعدام الموجود [10] و تغيير حال الموجود من حال إلى حال فالسماوات و الأرض كانت معدومة فخلقها سبحانه و تعالى و أوجدها ، و الإنسان كان معدوما فخلقه سبحانه و أوجده ، وكذلك جميع الموجودات ، و الله يميت الإنسان بعدما يحيه أي يعدمه بعد أن كان موجودا ثم يبعثه[11] ليجزي كل إنسان بما كسب فقد قال سبحانه : ﴿ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللّهِ حَقّاً إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ ﴾[12] أي : إلى ربكم معادكم يوم القيامة جميعًا, وهذا وعد الله الحق, هو الذي يبدأ إيجاد الخلق ثم يعيده بعد الموت, فيوجده حيًا كهيئته الأولى, ليجزي مَن صَدَّق الله ورسوله, وعمل الأعمال الحسنة أحسن الجزاء بالعدل. والذين جحدوا وحدانية الله ورسالة رسوله لهم شراب من ماء شديد الحرارة يشوي الوجوه ويقطِّع الأمعاء, ولهم عذاب موجع بسبب كفرهم وضلالهم ، و من قدرته أنه يقدر أن يغير الموجود من حال إلى حال يمكن أن يجعل الطائع شقيا و يمكن أن يجعل العاصي وليا وقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه[13] وسلم[14] : « يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك »[15].
إرادة إماتة الله نفسه من الصفات الممتنعة بالنسبة لله
الصفات بالنسبة لله إما واجبة أو جائزة أو ممتنعة ، فالواجب من الصفات ما لا يصح تجرد الله عنه أي لم يزل و لا يزال الله متصف بالصفات الواجبة له كالعلم و الوجود و العظمة والقدرة و الحياة و الحكمة والكلام و السمع و البصر و ما أشبه ذلك ، و هذا على سبيل التمثيل لا الحصر ، و الصفات الجائزة هي الصفات التي يصح أن يتجرد الله عنها كخلقه شيء و عدم خلقه ، و الصفات الممتنعة هي الصفات التي لا يصح أن يتصف الله بها أي لم يزل و لا يزال الله غير متصف بها كالعجز و الضعف و الجهل و العمى و النوم و الغفلة ، و ما أشبه ذلك ، و هذا على سبيل التمثيل لا الحصر ، و القول بإرادة إماتة الله نفسه سينافي العديد من صفات الله منها صفة الحياة فالله وصف نفسه بأنه حي أي دائم الحياة قال تعالى : ﴿ اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾[1] ، و مادام الله وصف نفسه بأنه حي فلا يجوز أن نقول بإرادته سبحانه إماتة نفسه ، و من الصفات التي ينافيها إرادة الله إماتة نفسه صفة البقاء فالله وصف نفسه بالبقاء قال تعالى : ﴿ و َيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾[2] و مادام الله وصف نفسه بالبقاء فلا يجوز أن نقول بإرادته سبحانه إماتة نفسه ، و الله وصف نفسه بالحكمة و الحكمة هي وضع الأشياء مواضعها ، وتنزيلها منازلها ، قال سبحانه : ﴿ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾[3] و هل من الحكمة أن يريد الخالق إماتة نفسه التي وهبت الحياة لغيرها ؟ نخلص من هذا أن إرادة إماتة الله نفسه من الصفات الممتنعة بالنسبة لله لاشتمالها على صفات لاتليق به سبحانه كصفة العدم التي هي ضد بقائه و الموت الذي هو ضد حياته ، و العدم الذي هو ضد وجوده ، و العبث الذي هو ضد حكمته .
لا يتصور أن يريد الله لنفسه الموت أو العدم
الحكم[1] على الأشياء فرع عن تصورها فلا يصح الحكم على شيء قبل تصوره فمن حكم على أمر من الأمور قبل تصوره أي قبل أن يحيط علمه بتفسيره ، ويتصوره تصوراً يميزه عن غيره فقد غلط ، ولا يتصور أن يريد الله لنفسه العدم للعديد من الأسباب منها :
صفات الله كلها صفات كمال لا نقص فيها ،و قد أخبر الله عن نفسه أن له صفات الكمال فقال سبحانه : ﴿ وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ ﴾[2] أي له سبحانه الوصف الأعلى الوصف الكامل فكل وصف فيه نقص ليس بوصف له سبحانه ،والموت والعدم من صفات النقص ، ومادامت هذه صفات نقص فلا يتصور أن يريد الله لنفسه نقصا ، و مادام الله لا يريد لنفسه نقصا فلا يتصور أن يريد الله العدم أو الموت لنفسه .
إرادة إماتة النفس ليس فيه شيء من الحكمة ، و الله وصف نفسه بالحكمة فقد قال سبحانه : ﴿ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾[3] ، و لا يوجد عاقلا فضلا عن حكيم يريد أن يعدم نفسه أو يفكر في أن يعدم نفسه إذا امتلك القدرة على ذلك فكيف بخالق الحكمة في الحكماء ؟ و الله حكيم في تصرفاته ، و إرادة إماتة النفس ليس فيه شيء من الحكمة فلا يتصور أن يريد الله لنفسه شيء ليس فيه شيء من الحكمة .
إماتة النفس فيه ظلم ، و الظلم ضد العدل ، و العدل هو إعطاء كل أحد ما يستـحقه ، و الله وصف نفسه بالعدل الذي هو ضد الظلم فقد قال النبي[4] صلى الله عليه وسلم : (( فمَن يعدل إذا لم يَعْدِل الله ورسوله ))[5] ، ومادام الله وصف نفسه بالعدل ، و إرادة إماتة النفس ليس من العدل فلا يتصور أن يريد الله إماتة نفسه .
إرادة إماتة النفس عبث ، والعبث مذموم ، و مادام العبث مذموما فلا يتصور إرادة الله إماتة نفسه .
،و هذه الأسباب وغيرها تدل على عدم تصور أن يريد الله إماتة نفسه ، و مادام الحكم على الشيء فرع عن تصوره ، ولا يتصور إرادة الله إماتة نفسه فسؤال هل يقدر الله أن يميت نفسه إذا أراد ذلك سؤال ليس له إجابة ؛ لأنه غير متصور ، و لا يليق به سبحانه مثل هذا السؤال
العقل يبطل مقولة إرادة الله إماتة نفسه
العقل دل على أن الله واجب الوجود فالعالم الذي نحن فيه العقل يتصور وجود هذا العالم و عدم وجوده أي يمكن أن يوجد ويمكن أن لا يوجد و ممكن الوجود مفتقر إلى واجب الوجود ؛ لأن الممكن يفتقر إلى مرجح و لو كان المرجح ممكن كذلك لأفتقر إلى مرجح مما يفضي للتسلسل ، والتسلسل باطل فلابد من وجود موجود واجب الوجود ،وواجب الوجود لا يعقل أن يكون ممكن الوجود فهذا جمع بين نقيضين ؛ لأنه واجب الوجود فيستحيل أن يكون معدوما غير موجود ، و العقل دل على اتصاف الله بالكمال فالخالق لابد أن تكون له صفات الكمال و بتنزه عن كل صفات النقص فكل موجود إما أن تكون له صفات كمال، وإما أن تكون له صفات نقص. و الثاني باطل بالنسبة للخالق فناقص الكمال لا يعطي الكمال وكيف يهب الكمال وهو غير كامل فينزه الله عن الموت و العدم ،و العقل دل على اتصاف الله بالحكمة فخالق الحكمة في الحكماء أحكم منهم ؛ لأن فاقد الشيء لا يعطيه ، و ليس من الحكمة إرادة الله إماتة نفسه فينزه الله عنها ، و العقل دل على أن الله حي إذ كيف يبعث الخالق الحياة في خلقه ، و هو ميت فإذا كان الخالق لايمتلك الحياة لنفسه فبالأحرى لا يهب الحياة لغيره ، وإرادة إماتة الله نفسه تعارض وصف الخالق بالحياة ونخلص من هذا أن سؤال هل يقدر الله أن يميت نفسه إذا أراد سؤال لا يصح عقلا لاشتماله على صفات يرفض العقل أن تنسب لله كصفة العدم التي هي ضد وجوده و الموت الذي هو ضد حياته ، و العدم الذي هو ضد وجوده ، و العبث الذي هو ضد حكمته ، وكون هذا فيه القول بأن واجب الوجود يمكن أن يكون ممكن الوجود ، وهذا لا يصح .
الفطرة تبطل مقولة إرادة الله إماتة نفسه
الفطرة تبطل مقولة إرادة الله إماتة نفسه ؛ لأن النفوس السليمة مجبولة و مفطورة على محبة الله وتعظيمه وعبادته،وهل تحب وتعظم وتعبد إلا من علمت أنه متصف بصفات الكمال اللائقة بربوبيته وألوهيته ؟ و إرادة إماتة النفس تشمئز منها فطر الناس بالنسبة لغيرهم فلو أن رجلا ذي صلاح أمات نفسه تجد الناس يقولون كيف يميت نفسه ، ويستغربون فإذا كان هذا بالنسبة لمخلوق مثلهم فكيف بالخالق جل وعلا
قدرة الله على كل شيء لا يدخل فيها القدرة على إماتة نفسه لكونها ليست شيئا
قدرة الله على كل شيء لا يدخل فيها القدرة على إماتة نفسه لكونها ليست شيئا ؛ لأن الشيء يطلق على كل ما هو موجود ، و صفة إماتة الله نفسه ممتنعة بالنسبة لله أي يستحيل أن يتصف الله بها لاشتمالها على صفات لاتليق به سبحانه كصفة العدم التي هي ضد بقائه و الموت الذي هو ضد حياته ، و العدم الذي هو ضد وجوده ، و العبث الذي هو ضد حكمته ، و المستحيل ليس بشيء لا في الخارج ، ولا في الذهن ، فالذهن يحكم على ما يتصور أما المستحيل فلا يتصور ، و قوله تعالى : ﴿ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ لا تتناول قدرة الله على إماتة ذاته ؛ لأن القدرة صفة يتمكن بها الفاعل من الفعل دون عجز ، والفعل الذي يتمكن من فعله هو الفعل الممكن أما غير الممكن فليس له علاقة بالقدرة ، والله دائم الوجود فيستحيل أن يكون منعدم الوجود ،و الله دائم الحياة فيستحيل أن ينعدم الحياة .
تنبيه :
القول بأن الله على كل شيء قدير يستثنى منها ذاته فليس عليها بقادر قول باطل ؛ لأن معنى هذا أن الله غير قادر على أن يفعل ما يشاء تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ،و كيف لا يقدر الله على نفسه ، و هو يقدر على غيره ؟!!! ، فالله يقدر أن يتكلم و أن يسمع و أن يبصر و أن ينزل إلى السماء الدنيا ، و يقدر الله سبحانه أن يفعل ما يشاء بما شاء و كيف شاء .
نتيجة البحث
- الله له صفة القدرة ، وهي وصف يتمكن به من إيجاد الموجودات و إعدامها ، وتغيير حال الموجودات و غير ذلك .
- إرادة إماتة الله نفسه من الصفات الممتنعة بالنسبة لله ؛ لاشتمالها على صفات لاتليق به سبحانه كصفة العدم التي هي ضد بقائه و الموت الذي هو ضد حياته ، و العدم الذي هو ضد وجوده ، و العبث الذي هو ضد حكمته .
- لا يتصور أن يريد الله لنفسه الموت أو العدم فسؤال هل يقدر الله أن يميت نفسه إذا أراد ذلك سؤال ليس له إجابة ؛ لأنه غير متصور ، و لا يليق به سبحانه مثل هذا السؤال .
- العقل و الفطرة يبطلان مقولة إرادة الله إماتة نفسه .
- قدرة الله على كل شيء لا يدخل فيها القدرة على إماتة نفسه لكونها ليست شيئا .
- لا يجوز القول بأن الله لا يقدر على نفسه .
لتحميل الموضوع اضغط هنا
و أشهد أن لا إله إلى الله ، و أن محمدا عبده ورسوله بلغ الرسالة ونصح الأمة و كشف الله به الغمة و جاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين
أما بعد :
فالله له صفات الكمال فقد قال الله سبحانه : ﴿ وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ ﴾[1] أي له سبحانه الوصف الأعلى الوصف الكامل فكل وصف فيه نقص ليس بوصف له سبحانه ، و كل وصف ليس فيه كمال فليس بوصف له سبحانه ، ومن الأوصاف الدالة على كماله سبحانه القدرة فالله على كل شيء قدير فقد قال سبحانه : ﴿ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾[2] ، ومن تلاعب الشيطان بالناس وسوس لهم بأنه إذا كان الله على كل شيء قدير فهل يستطيع أن يميت نفسه إذا أراد أن يميت نفسه فيجد الإنسان في نفسه حيرة إن قال نعم يستطيع فقد أثبت نقصه سبحانه فمن يريد لنفسه الإماتة ليس بعاقل فضلا عن أن يكون حكيما ، هو يريد تنزيهه عن النقص و يقع في النقص ، وإن قال لا يوسوس له الشيطان قائلا مادام لا يستطيع أن يميت نفسه فليست له القدرة المطلقة فليس على كل شيء قدير تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، و لو أعمل الإنسان عقله قليلا لبان له ضعف هذه الوسوسة و فسادها عن إفسادها فحتى لا يغتر أحد بهذه الوسوسة .
الله له صفة القدرة
قال الله [1] سبحانه[2] في كتابه[3] : ﴿ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾[4] ، و قد بينت الآية[5] الكريمة أن الله سبحانه له صفة القدرة ، فما معنى[6] أن الله سبحانه متصف بالقدرة ، و كي نعرف ما معنى وصف الله بالقدرة فلابد أن نعرف معنى أن صفة الله كذا فنقول الصفة هي ما قام بالذات الإلهية مما يميزها عن غيرها ، و لابد أن تكون واردة في الكتاب أو السنة أو فيهما معا ، و يخرج من قولنا ما قام بالذات ما كان من إضافة المُلْك والتشريف[7] ، و يخرج من قولنا لابد أن تكون واردة في الكتاب أو السنة أو فيهما معا كل صفة لم ترد في الكتاب أو السنة كوصفه سبحانه بأنه مريد أو متكلم ، ومعنى القدرة وصف يتمكن به الفاعل من الفعل دون عجز ، والله متصف بالقدرة أي الله يوصف بأنه يتمكن من فعل الأشياء دون عجز ،و الله على كل شيء[8] قدير أي يقدر على إيجاد المعدوم[9] ، و إعدام الموجود [10] و تغيير حال الموجود من حال إلى حال فالسماوات و الأرض كانت معدومة فخلقها سبحانه و تعالى و أوجدها ، و الإنسان كان معدوما فخلقه سبحانه و أوجده ، وكذلك جميع الموجودات ، و الله يميت الإنسان بعدما يحيه أي يعدمه بعد أن كان موجودا ثم يبعثه[11] ليجزي كل إنسان بما كسب فقد قال سبحانه : ﴿ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللّهِ حَقّاً إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ ﴾[12] أي : إلى ربكم معادكم يوم القيامة جميعًا, وهذا وعد الله الحق, هو الذي يبدأ إيجاد الخلق ثم يعيده بعد الموت, فيوجده حيًا كهيئته الأولى, ليجزي مَن صَدَّق الله ورسوله, وعمل الأعمال الحسنة أحسن الجزاء بالعدل. والذين جحدوا وحدانية الله ورسالة رسوله لهم شراب من ماء شديد الحرارة يشوي الوجوه ويقطِّع الأمعاء, ولهم عذاب موجع بسبب كفرهم وضلالهم ، و من قدرته أنه يقدر أن يغير الموجود من حال إلى حال يمكن أن يجعل الطائع شقيا و يمكن أن يجعل العاصي وليا وقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه[13] وسلم[14] : « يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك »[15].
إرادة إماتة الله نفسه من الصفات الممتنعة بالنسبة لله
الصفات بالنسبة لله إما واجبة أو جائزة أو ممتنعة ، فالواجب من الصفات ما لا يصح تجرد الله عنه أي لم يزل و لا يزال الله متصف بالصفات الواجبة له كالعلم و الوجود و العظمة والقدرة و الحياة و الحكمة والكلام و السمع و البصر و ما أشبه ذلك ، و هذا على سبيل التمثيل لا الحصر ، و الصفات الجائزة هي الصفات التي يصح أن يتجرد الله عنها كخلقه شيء و عدم خلقه ، و الصفات الممتنعة هي الصفات التي لا يصح أن يتصف الله بها أي لم يزل و لا يزال الله غير متصف بها كالعجز و الضعف و الجهل و العمى و النوم و الغفلة ، و ما أشبه ذلك ، و هذا على سبيل التمثيل لا الحصر ، و القول بإرادة إماتة الله نفسه سينافي العديد من صفات الله منها صفة الحياة فالله وصف نفسه بأنه حي أي دائم الحياة قال تعالى : ﴿ اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾[1] ، و مادام الله وصف نفسه بأنه حي فلا يجوز أن نقول بإرادته سبحانه إماتة نفسه ، و من الصفات التي ينافيها إرادة الله إماتة نفسه صفة البقاء فالله وصف نفسه بالبقاء قال تعالى : ﴿ و َيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾[2] و مادام الله وصف نفسه بالبقاء فلا يجوز أن نقول بإرادته سبحانه إماتة نفسه ، و الله وصف نفسه بالحكمة و الحكمة هي وضع الأشياء مواضعها ، وتنزيلها منازلها ، قال سبحانه : ﴿ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾[3] و هل من الحكمة أن يريد الخالق إماتة نفسه التي وهبت الحياة لغيرها ؟ نخلص من هذا أن إرادة إماتة الله نفسه من الصفات الممتنعة بالنسبة لله لاشتمالها على صفات لاتليق به سبحانه كصفة العدم التي هي ضد بقائه و الموت الذي هو ضد حياته ، و العدم الذي هو ضد وجوده ، و العبث الذي هو ضد حكمته .
لا يتصور أن يريد الله لنفسه الموت أو العدم
الحكم[1] على الأشياء فرع عن تصورها فلا يصح الحكم على شيء قبل تصوره فمن حكم على أمر من الأمور قبل تصوره أي قبل أن يحيط علمه بتفسيره ، ويتصوره تصوراً يميزه عن غيره فقد غلط ، ولا يتصور أن يريد الله لنفسه العدم للعديد من الأسباب منها :
صفات الله كلها صفات كمال لا نقص فيها ،و قد أخبر الله عن نفسه أن له صفات الكمال فقال سبحانه : ﴿ وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ ﴾[2] أي له سبحانه الوصف الأعلى الوصف الكامل فكل وصف فيه نقص ليس بوصف له سبحانه ،والموت والعدم من صفات النقص ، ومادامت هذه صفات نقص فلا يتصور أن يريد الله لنفسه نقصا ، و مادام الله لا يريد لنفسه نقصا فلا يتصور أن يريد الله العدم أو الموت لنفسه .
إرادة إماتة النفس ليس فيه شيء من الحكمة ، و الله وصف نفسه بالحكمة فقد قال سبحانه : ﴿ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾[3] ، و لا يوجد عاقلا فضلا عن حكيم يريد أن يعدم نفسه أو يفكر في أن يعدم نفسه إذا امتلك القدرة على ذلك فكيف بخالق الحكمة في الحكماء ؟ و الله حكيم في تصرفاته ، و إرادة إماتة النفس ليس فيه شيء من الحكمة فلا يتصور أن يريد الله لنفسه شيء ليس فيه شيء من الحكمة .
إماتة النفس فيه ظلم ، و الظلم ضد العدل ، و العدل هو إعطاء كل أحد ما يستـحقه ، و الله وصف نفسه بالعدل الذي هو ضد الظلم فقد قال النبي[4] صلى الله عليه وسلم : (( فمَن يعدل إذا لم يَعْدِل الله ورسوله ))[5] ، ومادام الله وصف نفسه بالعدل ، و إرادة إماتة النفس ليس من العدل فلا يتصور أن يريد الله إماتة نفسه .
إرادة إماتة النفس عبث ، والعبث مذموم ، و مادام العبث مذموما فلا يتصور إرادة الله إماتة نفسه .
،و هذه الأسباب وغيرها تدل على عدم تصور أن يريد الله إماتة نفسه ، و مادام الحكم على الشيء فرع عن تصوره ، ولا يتصور إرادة الله إماتة نفسه فسؤال هل يقدر الله أن يميت نفسه إذا أراد ذلك سؤال ليس له إجابة ؛ لأنه غير متصور ، و لا يليق به سبحانه مثل هذا السؤال
العقل يبطل مقولة إرادة الله إماتة نفسه
العقل دل على أن الله واجب الوجود فالعالم الذي نحن فيه العقل يتصور وجود هذا العالم و عدم وجوده أي يمكن أن يوجد ويمكن أن لا يوجد و ممكن الوجود مفتقر إلى واجب الوجود ؛ لأن الممكن يفتقر إلى مرجح و لو كان المرجح ممكن كذلك لأفتقر إلى مرجح مما يفضي للتسلسل ، والتسلسل باطل فلابد من وجود موجود واجب الوجود ،وواجب الوجود لا يعقل أن يكون ممكن الوجود فهذا جمع بين نقيضين ؛ لأنه واجب الوجود فيستحيل أن يكون معدوما غير موجود ، و العقل دل على اتصاف الله بالكمال فالخالق لابد أن تكون له صفات الكمال و بتنزه عن كل صفات النقص فكل موجود إما أن تكون له صفات كمال، وإما أن تكون له صفات نقص. و الثاني باطل بالنسبة للخالق فناقص الكمال لا يعطي الكمال وكيف يهب الكمال وهو غير كامل فينزه الله عن الموت و العدم ،و العقل دل على اتصاف الله بالحكمة فخالق الحكمة في الحكماء أحكم منهم ؛ لأن فاقد الشيء لا يعطيه ، و ليس من الحكمة إرادة الله إماتة نفسه فينزه الله عنها ، و العقل دل على أن الله حي إذ كيف يبعث الخالق الحياة في خلقه ، و هو ميت فإذا كان الخالق لايمتلك الحياة لنفسه فبالأحرى لا يهب الحياة لغيره ، وإرادة إماتة الله نفسه تعارض وصف الخالق بالحياة ونخلص من هذا أن سؤال هل يقدر الله أن يميت نفسه إذا أراد سؤال لا يصح عقلا لاشتماله على صفات يرفض العقل أن تنسب لله كصفة العدم التي هي ضد وجوده و الموت الذي هو ضد حياته ، و العدم الذي هو ضد وجوده ، و العبث الذي هو ضد حكمته ، وكون هذا فيه القول بأن واجب الوجود يمكن أن يكون ممكن الوجود ، وهذا لا يصح .
الفطرة تبطل مقولة إرادة الله إماتة نفسه
الفطرة تبطل مقولة إرادة الله إماتة نفسه ؛ لأن النفوس السليمة مجبولة و مفطورة على محبة الله وتعظيمه وعبادته،وهل تحب وتعظم وتعبد إلا من علمت أنه متصف بصفات الكمال اللائقة بربوبيته وألوهيته ؟ و إرادة إماتة النفس تشمئز منها فطر الناس بالنسبة لغيرهم فلو أن رجلا ذي صلاح أمات نفسه تجد الناس يقولون كيف يميت نفسه ، ويستغربون فإذا كان هذا بالنسبة لمخلوق مثلهم فكيف بالخالق جل وعلا
قدرة الله على كل شيء لا يدخل فيها القدرة على إماتة نفسه لكونها ليست شيئا
قدرة الله على كل شيء لا يدخل فيها القدرة على إماتة نفسه لكونها ليست شيئا ؛ لأن الشيء يطلق على كل ما هو موجود ، و صفة إماتة الله نفسه ممتنعة بالنسبة لله أي يستحيل أن يتصف الله بها لاشتمالها على صفات لاتليق به سبحانه كصفة العدم التي هي ضد بقائه و الموت الذي هو ضد حياته ، و العدم الذي هو ضد وجوده ، و العبث الذي هو ضد حكمته ، و المستحيل ليس بشيء لا في الخارج ، ولا في الذهن ، فالذهن يحكم على ما يتصور أما المستحيل فلا يتصور ، و قوله تعالى : ﴿ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ لا تتناول قدرة الله على إماتة ذاته ؛ لأن القدرة صفة يتمكن بها الفاعل من الفعل دون عجز ، والفعل الذي يتمكن من فعله هو الفعل الممكن أما غير الممكن فليس له علاقة بالقدرة ، والله دائم الوجود فيستحيل أن يكون منعدم الوجود ،و الله دائم الحياة فيستحيل أن ينعدم الحياة .
تنبيه :
القول بأن الله على كل شيء قدير يستثنى منها ذاته فليس عليها بقادر قول باطل ؛ لأن معنى هذا أن الله غير قادر على أن يفعل ما يشاء تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ،و كيف لا يقدر الله على نفسه ، و هو يقدر على غيره ؟!!! ، فالله يقدر أن يتكلم و أن يسمع و أن يبصر و أن ينزل إلى السماء الدنيا ، و يقدر الله سبحانه أن يفعل ما يشاء بما شاء و كيف شاء .
نتيجة البحث
- الله له صفة القدرة ، وهي وصف يتمكن به من إيجاد الموجودات و إعدامها ، وتغيير حال الموجودات و غير ذلك .
- إرادة إماتة الله نفسه من الصفات الممتنعة بالنسبة لله ؛ لاشتمالها على صفات لاتليق به سبحانه كصفة العدم التي هي ضد بقائه و الموت الذي هو ضد حياته ، و العدم الذي هو ضد وجوده ، و العبث الذي هو ضد حكمته .
- لا يتصور أن يريد الله لنفسه الموت أو العدم فسؤال هل يقدر الله أن يميت نفسه إذا أراد ذلك سؤال ليس له إجابة ؛ لأنه غير متصور ، و لا يليق به سبحانه مثل هذا السؤال .
- العقل و الفطرة يبطلان مقولة إرادة الله إماتة نفسه .
- قدرة الله على كل شيء لا يدخل فيها القدرة على إماتة نفسه لكونها ليست شيئا .
- لا يجوز القول بأن الله لا يقدر على نفسه .
لتحميل الموضوع اضغط هنا
عدل سابقا من قبل 5ALID-7MD في الإثنين يوليو 05, 2010 12:23 pm عدل 1 مرات
تعاليق
رد: الرد على الملحدين : هل يستطيع الله أن يميت نفسه إذا أراد بأقل مقال؟؟
الثلاثاء يونيو 15, 2010 3:18 amKING Z BACK
بارك الله فيك خالد
الإثنين يوليو 05, 2010 12:25 pm
هلا فيك أحمد
- الرد على سؤال أهل الإلحاد (( هل يستطيع الله أن يخلق صخرة لا يستطيع رفعها ))؟؟
- الرد على سؤال الملحدين : أين رحمة الله من الزلازل؟
- سلسلة الرد على أسئلة الملحدين ( 3 ) هل الله سبحانه وتعالى عادل ؟
- سلسلة الرد على اسئلة الملحدين ( 1 ) استدلالات الملحد على عدم وجود الله والرد عليها
- الرد على نظرية الفوضى عند الملحدين
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى