- محب الصحابةالإدارة
- عدد المساهمات : 116
تاريخ التسجيل : 21/02/2010
24022010
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع منقول من منتدى إسلامي متخصص ..
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا
أحببت أن أبدأ في هذه السلسلة، أجمع فيها أشهر الأدلة على وجود الله تعالى التي وافقت العقل السليم والنقل الصحيح
وأسأل الله تعالى أن ينفع بها إخواننا المسلمين وزملاءنا الملحدين
وارتأيت أن أبدا بدليل الحودث
وقبل البدأ في الموضوع أحببت أن أضع بين أيديكم أهم النقاط التي سأتطرق لها
تمهيد
أولا : إثبات حدوث العالم
1- الأدلة العقلية على حدوث العالم
2- أدلة العلم الحديث على حدوث العالم (الكون)
3 - الأدلة الشرعية على حدوث العالم
ثانيا : إثبات أن كل حادث لابد له من محدث قديم
1 - مبدأ السببية وأدلته
2 - بطلان لانهائية التسلسل والدور
أ - بطلان التسلسل
ب- بطلان الدور
تمهيد
أول ظاهرة تدلنا على وجود الله عز وجل هي حدوث الكون والتي تدلنا على أن له محدِثا أحدثه.
فإذا كان العاقل لا يقبل بحدوث حادث بلا محدث وجب عليه إذا أن يؤمن بوجود الله عز وجل محدِث الكون.
يقول مؤلف العقيدة السفارينية
دلت على وجوده الحوادث****سبحانه فهو الحكيم الوارث (1)
وكثيرٌ من علماء المسلمين الذين ألفوا في أصول الدين والعقيدة، استدلوا على وجود الله بدليل الحدوث، وابن خلدون يشير أيضا في مقدمته إلى دليل الحدوث فيقول :« إن الحوادث في عالم الكائنات سواء كانت من الذوات أو من الأفعال البشرية أو الحيوانية فلا بد لها من أسباب متقدمة عليها بها تقع في مستقر العادة وعنها يتم كونه وكل واحد من هذه الأسباب حادث أيضا فلابد له من أسباب أخر ولا تزال تلك الأسباب مرتقية حتى تنتهي إلى مسبب الأسباب وموجدها وخالقها سبحانه»(2) .
فالكرسي صنعه نجار و الساعة صنعها ساعاتي و القصر صنعه بناء، والعاقل عند زوال الحجب والموانع، يتفكر في خلق السموات و الأرض فيعلم أن هذا الكون من المستحيل أن يأتي صدفة أو من نفسه، فيؤمن في قرارات نفسه أن هذا الكون مخلوق له خالق.
وقد اعتمد النظار على مقدمات عديدة ليصلوا إلى نتيجة واحدة وهي أن العالم حادث وكل حادث لا بد له من محدِث وإلا لزم إيجاد الشيء نفسه أو الدور والتسلسل والكل محال»
والاستدلال على وجود الله تعالى استنادا على دليل الحدوث يعتمد على قضيتين، القضية الأولى إثبات حدوث العالم، والثانية إثبات أن كل حادث لابد له من محدث
-------------
1 العقيدة السفارينية - محمد بن أحمد بن سالم بن سليمان السفاريني - ص 38
2 المقدمة – ابن خلدون – ص 458
كل ما في الكون يدل على حدوثه، فزرع ينبث وطفل يولد ونجم يُخلق،
إذا فالكون يحمل في طياته دليل حدوثه
وكل حادث لا بد له من محدِث وإلا لزم إيجاد الشيء نفسه أو الدور والتسلسل والكل محال
إذا تبين لنا من هذه المقدمة البسيطة ضرورة وجود خالق لهذا الكون
بقي أن أنبه إلى أن اقتباسي لبعض كلام عبد الله بن أسعد اليافعي لا يعني موافقتي لعقيدته فهذا الشخص أشعري صوفي، ونعوذ بالله تعالى من أهل الضلال
إثبات حدوث العالم:
استدل علماء العقيدة على حدوث العالم بمجموعة من الأدلة منها الصالح ومنها الطالح، وسأذكر الصالح منها الذي وافق صحيح المنقول وصريح المعقول:
أولا الأدلة العقلية على حدوث العالم:
إثبات حدوث العالم:
استدل علماء العقيدة على حدوث العالم بمجموعة من الأدلة منها الصالح ومنها الطالح، وسأذكر الصالح منها الذي وافق صحيح المنقول وصريح المعقول:
أولا الأدلة العقلية على حدوث العالم:
1 – إن قبول الوجود والعدم على موجودات العالم دليل على حدوثه، فغيث ينزل، وزهر يتفتح، وطفل يولد وآخر يموت، ونجوم تنشأ وأخرى تخبو، إلى غيرها من الحوادث، وفي ذلك يقول ابن تيمية :« من المعلوم أن بعض أجزاء العالم يشاهد عدمه بعد الوجود ووجوده بعد العدم كصور الحيوان والنبات والمعدن وأنواع من الأعراض وهذا معلوم بالحس أنه ليس واجب الوجود بل هو ممكن الوجود لقبوله العدم »[1].
2 – الموجودات إما أن تكون كلها حادثة أو كلها قديمة أو منها الحادث والقديم، فالأول ممتنع لأن الحوادث تفتقر لمن يُحدثها، ومحدِث الموجودات لا يكون معدوما وهذا معلوم بالضرورة والثاني ممتنع أيضا لأنه خلاف المشاهد والضرورة الحسية، فلو كانت الموجودات كلها قديمة لما طرأ عليها التغير أو الفناء، فثبت إذا أن الموجودات تنقسم لقديم ومحدث، ولابد للمحدَث من محدِث قديم.[2]
3 – أجزاء العالم مفتقرة لغيرها ولا يوجد منها ما هو قائم بذاته، فالشمس مفتقرة لذراتها ومفتقرة لقانون الجاذبية، وكذلك سائر الكواكب والأفلاك، والإنسان أيضا مفتقر للماء والطعام، وشرط القديم الغنى، فإذا ثبت افتقار أجزاء العالم لغيره ثبت حدوثها، وحدوث الأجزاء حدوث للكل.
4 – بيان استحالة حوادث لا أول لها، فإذا علمنا أن موجودات العالم خاضعة لمبدأ السببية، وأن تسلسل الحوادث إلى ما لانهاية باطل، ثبت إذا حدوث العالم، وسيأتي بيانه فيما بعد.
----------------------------------
[1] بغية المرتاد في الرد على المتفلسفة والقرامطة والباطنية – ابن تيمية - ج 1 ص 430
[2] درء تعارض العقل والنقل – ابن تيمية - ج 3 ص 104
ثانيا أدلة العلم الحديث على حدوث العالم
(وأريد أن أشير إلى أن المنتدى ولله الحمد مليئ بمواضيع تعالج هذه القضية وتفيض فيها، لكن أحببت أن يكون هذا الموضوع جامعا ما أمكن لجميع ما يتعلق بعنوانه)
وأما الأدلة العلمية على حدوث العالم فتكاد لا تحصى، وسأقتصر على أكثرها قوة وأظهرها حجة،
1 – القانون الثاني للتيرموديناميك :
هذا القانون يثبت أنه لا يمكن أن يكون وجود الكون أزليا، فهو يصف لنا أن الحرارة تنتقل دائما من الجسم الأكثر حرارة إلى الجسم الأقل حرارة، والعكس غير ممكن. وبناء على هذا الكشف العلمي الهام فان اتجاه الكون نحو التوازن الحراري يزداد يوما بعد يوم، ولا بد من وقت تتساوى فيه حرارة جميع الموجودات، وحينذاك لا تبقى أية طاقة مفيدة للحياة والعمل، وسيترتب على ذلك أن تنتهي العمليات الكيماوية والطبيعية،
وانطلاقا من هذه الحقيقة القائلة بان العمليات الكيماوية والطبيعية جارية، وان الحياة قائمة، يثبت لدينا قطعا أن الكون ليس بأزلي، إذ لو كان الكون أزليا لكان من اللازم أن يفقد طاقته منذ زمن بعيد، بناء على هذا القانون، ولما بقي في الكون بصيص من الحياة، يقول ادوارد لوثر كسيل عالم أمريكي في علم الحيوان« وهكذا توصلت العلوم - دون قصد - إلى أن لهذا الكون بداية. وهي بذلك تثبت وجود الله، لأن ما له بداية لا يمكن أن يكون قد بدأ نفسه ولا بد من مبدئ، أو من محرك أول، أو من خالق، هو الإله »[1]، وقد قال نفس الكلام السير جيمس: «تؤمن العلوم الحديثة بان عملية تغير الحرارة سوف تستمر حتى تنتهي طاقاتها كلية، ولم تصل هذه العملية حتى الآن إلى آخر درجاتها، لأنه لو حدث شيء مثل هذا لما كنا الآن موجودين على ظهر الأرض، حتى نفكر فيها. إن هذه العملية تتقدم بسرعة مع الزمن.، ومن ثم لابد لها من بداية، ولا بد أنه قد حدثت عملية في الكون، يمكن أن نسميها خلقا في وقت ما، حيث لا يمكن أن يكون هذا الكون أزليا»[2].
2 – نظرية الانفجار الكبير :
إن الحقيقة العلمية التي أبرزتها نظرية الانفجار العظيم هي أن هناك لحظة بدء للمادة والطاقة والزمان، وقد استغرقت هذه النظرية وقتا طويلا حتى تصبح ذات شأن في الأوساط العلمية[3]، ولعل أولى المؤشرات التي دعمت لظهور هذه النظرية ما توصل إليه العالم الفلكي إدوين هابل في إثباته لتمدد الكون، يقول العالم الفلكي الشهير ستيف هاكنغ :« إن إدوين هابل أجرى سنة 1929م مشاهدة تعد علامة طريق هي أنك حيثما وجهت بصرك، تجد المجرات البعيدة تتحرك بسرعة بعيدا عنا. وبكلمات أخرى فإن الكون يتمدد. ويعني هذا أن الأشياء كانت في الأوقات السالفة أكثر اقترابا معا. والحقيقة أنه يبدو أنه كان ثمة وقت منذ حوالي عشرة أو عشرين ألف مليون سنة، حيث كانت الأشياء كلها في نفس المكان بالضبط، وبالتالي فإن كثافة الكون وقتها كانت لا متناهية. وهذا الاكتشاف هو الذي أتى في النهاية بمسألة بداية الكون إلى دنيا العلم»[4].
وعندما بدأ الفلكيون في مطلع العشرينيات بتحليل الأطياف الضوئية للنجوم الواردة على كوكبنا، وجدوا أن هذه الأطياف الضوئية تنحرف نحو اللون الأحمر، وهذا يعني أن منبع الضوء يبتعد عنا، أي أن النجوم الأخرى والمجرات تبتعد عنا، يقول ستيف هاكنغ :«فقد كان من المفاجئ تماما أن نجد أن معظم المجرات ذات إزاحة حمراء، فكلها تقريبا تتحرك بعيدا عنا، بل والأكثر مفاجأة اكتشاف "هابل" الذي نشر في 1929م، فحتى حجم الإزاحة الحمراء لمجرة ما لم يكن عشوائيا، ولكنه يتناسب طرديا مع بعد المجرة عنا. أو بكلمات أخرى، كلما زادت المجرة بعدا، زادت سرعة تحركها بعيدا»[5]، وبهذا الاكتشاف أثبت العلم عن غير قصد أن للكون بداية، وما له بداية لابد أن يكون له مبدئ، ولذلك أشار كريسى موريسون في حديثه عن بداية الكون، حيث قال: »وتدل الشواهد من الكيمياء وغيرها من العلوم على أن بداية المادة لم تكن بطيئة أو تدريجية، بل أوجدت بصورة فجائية، وتستطيع العلوم أن تحدد لنا الوقت الذي نشأت فيه هذه المواد، وعلى ذلك فان هذا العالم المادي لا بد أن يكون مخلوقا»[6]
وما دام الكون في توسع دائم، إذن لو اتجهنا عكسيا، أي إلى الوراء، فمن الضروري أن الكون كله كان متمركزًا في السابق في نقطة واحدة تؤول إلى الصفر، وهذا ما أثبته العلم، أن الكون كان عبارة عن نقطة صغيرة جداً، بضغط رهيب ودرجة حرارة خيالية، أما قولهم أن حجم هذه النقطة كان صفرا فهو حقيقة أخرى وضربة أخرى للماديين، واثبات للخلق من عدم، فالصفر في لغة الفيزياء هو العدم، يقول الدكتور هارون يحيى في إحدى مقالاته:«لقد قاد اكتشاف "هابل" لحقيقة الكون المتمدد لانبثاق نموذج آخر كان ضرورياً لكي لا يكون هناك عبث، ولكي يجعل نتائج معادلاته صحيحة، فإذا كان الكون يتضخم ويكبر مع مرور الوقت فهذا يعني أن العودة إلى الخلف تقودنا نحو كون أصغر، ثم إذا عدنا إلى الخلف أكثر ( لمدى بعيد)، فإن كل شيء سوف ينكمش ويتقارب نحو نقطة واحدة، والنتيجة الممكن التوصل إليها من ذلك هو أنه في وقت ما كانت كل مادة الكون مضغوطة في كتلة نقطية واحدة لها حجم صفر بسبب قوة النقطية ذات الحجم الصفر، وهذا الانفجار الذي وقع سمي بالانفجار الكبير، توجد حقيقة أخرى مهمة تكشفها نظرية الانفجار الكبير، فلكي نقول أن شيئاً ما له حجم صفر فهذا يكافئ القول بأنه لم يكن هناك شيء، وأن كل الكون خلق من ذلك اللاشيء، والأكثر من ذلك أن للكون بداية وهذا عكس ما ذهبت إليه المادية من أن الكون لا أول له ولا آخر»[7].
ويقول الفيزيائي ادموند ويتيكر: «ليس هناك ما يدعو إلى أن نفترض أن المادة والطاقة كانتا موجودتين قبل الانفجار العظيم وأنه حدث بينهما تفاعل فجائي، فما الذي يميز تلك اللحظة عن غيرها من اللحظات في الأزلية؟ والأبسط أن نفترض خلقاً من العدم، أي إبداع الإرادة الإلهية للكون من العدم»[8]. وينتهي الفيزيائي إدوارد ميلن، بعد تفكره في الكون المتمدد، إلى هذه النتيجة قائلا: «أما العلة الأولى للكون في سباق التمدد فأمر إضافتها متروك للقارئ. ولكن الصورة التي لدينا لا تكتمل من غير الله»[9]
لقد شكلت هذه النظرية ضربة قوية لمزاعم المادية الملحدة حيث يقول أحد أكبر فلاسفتهم "أنطوني فلو ": «يقولون إن الاعتراف يفيد الإنسان من الناحية النفسية. وأنا سأدلي باعتراف؛ إن أنموذج الانفجار الكبير شيء محرج جدا بالنسبة للملحدين، لأن العلم أثبت فكرة دافعت عنها الكتب الدينية... فكرة أن للكون بداية». ويقول العالم "دونيس سكايما" -وكان من أشد أنصار نظرية الكون المستقر- وهو يبدي أسفه على انتصار نظرية الانفجار الكبير: «لم أدافع عن نظرية الكون المستقر لكونها صحيحة، بل لرغبتي في كونها صحيحة. ولكن بعد أن تراكمت الأدلة فقد تبين لنا أن اللعبة قد انتهت، وأنه يجب ترك نظرية الكون المستقر جانبا»[10].
إن نظرية "توسع الكون" ونظيرتها "الانفجار الكبير" تعتبران أبرز الثورات الفكرية في العشرينيات من القرن الماضي، ولم يُفكر أحد في ذلك من قبل لا على مستوى الفلاسفة ولا على مستوى علماء المادة.
بيد أن هاتين النظريتين سبق أن تم ذكرهما في كتابٍ منذ أزيد من ألف وأربعمائة سنة، فقد ذكرت هذه الحقيقة العلمية في القرآن الكريم حيث يقول تعالى: ﴿ وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ﴾ [11]، وقوله سبحانه ﴿ أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا ﴾ آيتان في قمة البلاغة اللغوية والإعجاز العلمي.
فكان هذا الكشف الجديد دليلا على حدوث الكون من جهة، ودليلا على أن القرآن كلام رب العالمين من جهة أخرى.
وهنا ستعرض شبهة لطالما احتج بها الملاحدة في هذا الباب
ألا وهي نظرية النواس أي أن الكون ينفجر فيتمدد ثم سينكمش لينفجر مرة أخرى إلى ما لا نهاية
و الرد على نظرية النوسان المزعومة يتخذ عدة طرق سأكتفي هنا بالدليل العلمي على نقض فكرة النوسان على أن هناك أدلة أخرى
وسأقتطف جزءا من كتاب "العلم من منظوره الجديد"حيث يقول مؤلفاه [12]: «وهناك فرضية أخرى طرحت تجنباً لافتراض بداية للكون، هي نظرية نوسان الكون Oscillating Universe. ومؤدي هذه النظرية أنه إذا كان في الكون كمية كافية من المادة فإن شد الجاذبية سوف يوقف في نهاية المطاف التمدد الحالي ويعكسه، بحيث ينتج من ذلك آخر الأمر انهيار ثان لكل المادة في ما قد يصح أن نطلق عليه اسم «الانكماش العظيم». وتوحي نظرية النوسان (الذبذبة) هذه بأن «انفجارا عظيماً» آخر يرجح أن يعقب عملية الانهيار، وأن الكون ربما ظل ينوس على هذا النحو بين عمليات «انفجار» و«انكماش» إلى الأبد. وبهذه الطريقة يمكن الحفاظ على أزلية المادة. وعلى هذه النظرية يعلق ستيفن فاينبيرغ مؤلف كتاب «الدقائق الثلاث الأولى» (The First Three Minutes)، وهو وصف دقيق للمراحل الأولى من نشأة الكون، قائلاً: «بعض المتخصصين في علم الكونيات تشدهم نظرية نوسان الكون فلسفياً، خصوصاً وأنها تتجنب ببراعة، شأن نظرية استقرار حال الكون، مشكلة النشأة الأولى. غير أنها تواجه صعوبة نظرية شديدة واحدة: ففي كل دورة من تمدد الكون وانكماشه تطرأ على نسبة الفوتونات إلى الجسيمات النووية (أو على الأصح درجة التعادل الحراري لكل جسيم نووي) زيادة طفيفة بفعل نوع من الاحتكاك يعرف بلزوجة الحجم (bulk viscosity). وفي هذه الحالة، في حدود ما نعلم، سيبدأ الكون كل دورة جديدة بنسبة جديدة للفوتونات إلى الجسيمات النووية تكون أكبر من سابقتها بقليل. وهذه النسبة ضخمة في الوقت الحاضر ولكنها متناهية، بحيث يصعب أن نتصور كيف يمكن أن يكون العالم قد مر في السابق بعدد من الدورات غير متناه».
وتستند حجة فاينبيرغ في هذه المسألة إلى نتيجة محتومة مترتبة على إحدى الخواص الجوهرية للمادة، وهي القانون الثاني للديناميكاً الحرارية. ويقول هذا القانون إن المادة إذا ضغطت سخنت وارتفعت درجة تعادلها الحراري (الأنتروبيا). وهكذا كلما ازداد عدد «الانكماشات العظيمة» للكون ازدادت حرارته ودرجة تعادله الحراري. وحيث إن درجة حرارة الكون ودرجة تعادله الحراري محدودتان في الوقت الراهن فلابد من أنه كانت له بداية. ومن المفترض أن يبدأ كل «انفجار عظيم»، في إطار نوسان الكون، بدرجة حرارة أعلى من درجة حرارة الانفجار الذي سبقه، ومن هنا لزم أن تكون درجة حرارة الكون في ختام سلسلة طويلة من الانفجارات العظيمة والانكماشات العظيمة أعلى كثيراً من 3.5 درجة مطلقة.
والواقع أن الحجج المستفيضة المتعلقة بالديناميكا الحرارية لا تشير إلى أي تكرار على الإطلاق في عملية التمدد الأصلي. يقول الفيزيائي سدني أ. بودمان (Sidney A. Blidman): «إن عالمنا لا يمكن له أن يرتد في المستقبل. والأكوان المغلقة المنسوبة إلى فريدمان (Friedmann) كانت تسمى فيها مضي الأكوان المتذبذبة. ونحن ندرك الأن أن أي كون مغلق لا يمكن أن يمر إلا بدورة واحدة من دورات التمدد والانكماش بسبب ضخامة الأنتروبيا المتولدة في كوننا الذي هو أبعد ما يكون عن النوسان. وسواء أكان الكون مغلقاً أم مفتوحاً، مرتداً أم متمدداً على وتيرة واحدة، فإن التحولات غير العكوسة في أطوار الكون تدل على أن للكون بداية ووسطاً ونهاية محددة». كذلك فإن نظرية النوسان لا تنسجم مع النسبية العامة. ومن هنا يخلص جون ويلر إلى أن عملية انكماش كبيرة واحدة من شأنها أن تنهي الكون إلى الأبد، فيقول: "لو حصل انهيار في الجاذبية فسنكون قد وصلنا إلى نهاية الزمن. وما من أحد قط استطاع أن يجد في معادلات النسبية العامة أدنى حجة تؤيد القول «بعملية تمدد أخرى» أو بوجود «كون ذي دورات»، أو أي شيء آخر سوى النهاية.
يبدو إذاً أن المادة ليست أزلية بالرغم من كل شيء. وكما يعلن عالم الفيزياء الفلكية جوزف سلك (Joseph Silk) فإن «بداية الزمن أمر لا مناص منه». كما يخلص الفلكي روبرت جاسترو (Robert Jastrow) إلى أم «سلسلة الحوادث التي أدت إلى ظهور الإنسان بدأت فجأة وبعنف في لحظة محددة من الزمن، وفي ومضة ضوء وطاقة.
ها قد أثبت العلم قضايا، أقرها ديننا الحنيف قبل 1400 سنة،
وبعد نكسة العقل الغربي لمدة ثلاث قرون من الزمن، بدأنا نشاهد عودته إلى الدين، وبدأنا نشاهد عودة العلم إلى أصله الحقيقي (ففي إسلامنا العلم والدين لا يفترقان)
--------------------------------------------------------------------------------
[1] الله يتجلى في عصر العلم – كريسي موريسون – ج 2 ص 31
[2] الإسلام يتحدى – وحيد الدين خان – ص 55 -56 بتصرف
[3] فقد بقيت هذه النظرية فرضية معلقة، حتى حصل لها دعم علمي في سنة 1965 حيث "اكتشف العالمان الأمريكيان"أرنو بانزياس" و"روبرت ويلسون" عن غير قصد، موجات راديو منبعثة من جميع أرجاء الكون لها نفس الميزات الفيزيائية في أي مكان أو زمان سجلت فيه، سُمّيت بالنور المتحجّر وهو النور الآتي من الأزمنة السحيقة ومن بقايا الانفجار العظيم الذي حصل في الثواني التي تلت نشأة الكون.وللمزيد من التوسع انظر موجز تاريخ الزمن لستيفن هاكنغ ص 47 - 49
[4] موجز تاريخ الزمن – ستيف هاكنغ – ص 17
[5] المرجع السابق – ص 46
[6] الله يتجلى في عصر العلم – كريسي موريسون – ج 2 ص 28
[7] مقال خلق الكون من العدم والانفجار الكوني الكبير – هارون يحيى - موقع الإعجاز العلمي في القرآن والسنة
[8] العلم من منظوره الجديد - روبرت م.أغروس وَ جورج ن.ستانسيو- ص 59 – 60
[9] المرجع السابق ص 60
[10] مقال حدوث الكون حقيقة قررها الدين وأثبتها العلم - أورخان محمد علي – موقع مجلة حراء
[11] الذاريات - 47
[12]العلم من منظوره الجديد - روبرت م.أغروس وَ جورج ن.ستانسيو- ص 58
الموضوع منقول من منتدى إسلامي متخصص ..
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا
أحببت أن أبدأ في هذه السلسلة، أجمع فيها أشهر الأدلة على وجود الله تعالى التي وافقت العقل السليم والنقل الصحيح
وأسأل الله تعالى أن ينفع بها إخواننا المسلمين وزملاءنا الملحدين
وارتأيت أن أبدا بدليل الحودث
وقبل البدأ في الموضوع أحببت أن أضع بين أيديكم أهم النقاط التي سأتطرق لها
تمهيد
أولا : إثبات حدوث العالم
1- الأدلة العقلية على حدوث العالم
2- أدلة العلم الحديث على حدوث العالم (الكون)
3 - الأدلة الشرعية على حدوث العالم
ثانيا : إثبات أن كل حادث لابد له من محدث قديم
1 - مبدأ السببية وأدلته
2 - بطلان لانهائية التسلسل والدور
أ - بطلان التسلسل
ب- بطلان الدور
تمهيد
أول ظاهرة تدلنا على وجود الله عز وجل هي حدوث الكون والتي تدلنا على أن له محدِثا أحدثه.
فإذا كان العاقل لا يقبل بحدوث حادث بلا محدث وجب عليه إذا أن يؤمن بوجود الله عز وجل محدِث الكون.
يقول مؤلف العقيدة السفارينية
دلت على وجوده الحوادث****سبحانه فهو الحكيم الوارث (1)
وكثيرٌ من علماء المسلمين الذين ألفوا في أصول الدين والعقيدة، استدلوا على وجود الله بدليل الحدوث، وابن خلدون يشير أيضا في مقدمته إلى دليل الحدوث فيقول :« إن الحوادث في عالم الكائنات سواء كانت من الذوات أو من الأفعال البشرية أو الحيوانية فلا بد لها من أسباب متقدمة عليها بها تقع في مستقر العادة وعنها يتم كونه وكل واحد من هذه الأسباب حادث أيضا فلابد له من أسباب أخر ولا تزال تلك الأسباب مرتقية حتى تنتهي إلى مسبب الأسباب وموجدها وخالقها سبحانه»(2) .
فالكرسي صنعه نجار و الساعة صنعها ساعاتي و القصر صنعه بناء، والعاقل عند زوال الحجب والموانع، يتفكر في خلق السموات و الأرض فيعلم أن هذا الكون من المستحيل أن يأتي صدفة أو من نفسه، فيؤمن في قرارات نفسه أن هذا الكون مخلوق له خالق.
وقد اعتمد النظار على مقدمات عديدة ليصلوا إلى نتيجة واحدة وهي أن العالم حادث وكل حادث لا بد له من محدِث وإلا لزم إيجاد الشيء نفسه أو الدور والتسلسل والكل محال»
والاستدلال على وجود الله تعالى استنادا على دليل الحدوث يعتمد على قضيتين، القضية الأولى إثبات حدوث العالم، والثانية إثبات أن كل حادث لابد له من محدث
-------------
1 العقيدة السفارينية - محمد بن أحمد بن سالم بن سليمان السفاريني - ص 38
2 المقدمة – ابن خلدون – ص 458
كل ما في الكون يدل على حدوثه، فزرع ينبث وطفل يولد ونجم يُخلق،
إذا فالكون يحمل في طياته دليل حدوثه
وكل حادث لا بد له من محدِث وإلا لزم إيجاد الشيء نفسه أو الدور والتسلسل والكل محال
إذا تبين لنا من هذه المقدمة البسيطة ضرورة وجود خالق لهذا الكون
بقي أن أنبه إلى أن اقتباسي لبعض كلام عبد الله بن أسعد اليافعي لا يعني موافقتي لعقيدته فهذا الشخص أشعري صوفي، ونعوذ بالله تعالى من أهل الضلال
إثبات حدوث العالم:
استدل علماء العقيدة على حدوث العالم بمجموعة من الأدلة منها الصالح ومنها الطالح، وسأذكر الصالح منها الذي وافق صحيح المنقول وصريح المعقول:
أولا الأدلة العقلية على حدوث العالم:
إثبات حدوث العالم:
استدل علماء العقيدة على حدوث العالم بمجموعة من الأدلة منها الصالح ومنها الطالح، وسأذكر الصالح منها الذي وافق صحيح المنقول وصريح المعقول:
أولا الأدلة العقلية على حدوث العالم:
1 – إن قبول الوجود والعدم على موجودات العالم دليل على حدوثه، فغيث ينزل، وزهر يتفتح، وطفل يولد وآخر يموت، ونجوم تنشأ وأخرى تخبو، إلى غيرها من الحوادث، وفي ذلك يقول ابن تيمية :« من المعلوم أن بعض أجزاء العالم يشاهد عدمه بعد الوجود ووجوده بعد العدم كصور الحيوان والنبات والمعدن وأنواع من الأعراض وهذا معلوم بالحس أنه ليس واجب الوجود بل هو ممكن الوجود لقبوله العدم »[1].
2 – الموجودات إما أن تكون كلها حادثة أو كلها قديمة أو منها الحادث والقديم، فالأول ممتنع لأن الحوادث تفتقر لمن يُحدثها، ومحدِث الموجودات لا يكون معدوما وهذا معلوم بالضرورة والثاني ممتنع أيضا لأنه خلاف المشاهد والضرورة الحسية، فلو كانت الموجودات كلها قديمة لما طرأ عليها التغير أو الفناء، فثبت إذا أن الموجودات تنقسم لقديم ومحدث، ولابد للمحدَث من محدِث قديم.[2]
3 – أجزاء العالم مفتقرة لغيرها ولا يوجد منها ما هو قائم بذاته، فالشمس مفتقرة لذراتها ومفتقرة لقانون الجاذبية، وكذلك سائر الكواكب والأفلاك، والإنسان أيضا مفتقر للماء والطعام، وشرط القديم الغنى، فإذا ثبت افتقار أجزاء العالم لغيره ثبت حدوثها، وحدوث الأجزاء حدوث للكل.
4 – بيان استحالة حوادث لا أول لها، فإذا علمنا أن موجودات العالم خاضعة لمبدأ السببية، وأن تسلسل الحوادث إلى ما لانهاية باطل، ثبت إذا حدوث العالم، وسيأتي بيانه فيما بعد.
----------------------------------
[1] بغية المرتاد في الرد على المتفلسفة والقرامطة والباطنية – ابن تيمية - ج 1 ص 430
[2] درء تعارض العقل والنقل – ابن تيمية - ج 3 ص 104
ثانيا أدلة العلم الحديث على حدوث العالم
(وأريد أن أشير إلى أن المنتدى ولله الحمد مليئ بمواضيع تعالج هذه القضية وتفيض فيها، لكن أحببت أن يكون هذا الموضوع جامعا ما أمكن لجميع ما يتعلق بعنوانه)
وأما الأدلة العلمية على حدوث العالم فتكاد لا تحصى، وسأقتصر على أكثرها قوة وأظهرها حجة،
1 – القانون الثاني للتيرموديناميك :
هذا القانون يثبت أنه لا يمكن أن يكون وجود الكون أزليا، فهو يصف لنا أن الحرارة تنتقل دائما من الجسم الأكثر حرارة إلى الجسم الأقل حرارة، والعكس غير ممكن. وبناء على هذا الكشف العلمي الهام فان اتجاه الكون نحو التوازن الحراري يزداد يوما بعد يوم، ولا بد من وقت تتساوى فيه حرارة جميع الموجودات، وحينذاك لا تبقى أية طاقة مفيدة للحياة والعمل، وسيترتب على ذلك أن تنتهي العمليات الكيماوية والطبيعية،
وانطلاقا من هذه الحقيقة القائلة بان العمليات الكيماوية والطبيعية جارية، وان الحياة قائمة، يثبت لدينا قطعا أن الكون ليس بأزلي، إذ لو كان الكون أزليا لكان من اللازم أن يفقد طاقته منذ زمن بعيد، بناء على هذا القانون، ولما بقي في الكون بصيص من الحياة، يقول ادوارد لوثر كسيل عالم أمريكي في علم الحيوان« وهكذا توصلت العلوم - دون قصد - إلى أن لهذا الكون بداية. وهي بذلك تثبت وجود الله، لأن ما له بداية لا يمكن أن يكون قد بدأ نفسه ولا بد من مبدئ، أو من محرك أول، أو من خالق، هو الإله »[1]، وقد قال نفس الكلام السير جيمس: «تؤمن العلوم الحديثة بان عملية تغير الحرارة سوف تستمر حتى تنتهي طاقاتها كلية، ولم تصل هذه العملية حتى الآن إلى آخر درجاتها، لأنه لو حدث شيء مثل هذا لما كنا الآن موجودين على ظهر الأرض، حتى نفكر فيها. إن هذه العملية تتقدم بسرعة مع الزمن.، ومن ثم لابد لها من بداية، ولا بد أنه قد حدثت عملية في الكون، يمكن أن نسميها خلقا في وقت ما، حيث لا يمكن أن يكون هذا الكون أزليا»[2].
2 – نظرية الانفجار الكبير :
إن الحقيقة العلمية التي أبرزتها نظرية الانفجار العظيم هي أن هناك لحظة بدء للمادة والطاقة والزمان، وقد استغرقت هذه النظرية وقتا طويلا حتى تصبح ذات شأن في الأوساط العلمية[3]، ولعل أولى المؤشرات التي دعمت لظهور هذه النظرية ما توصل إليه العالم الفلكي إدوين هابل في إثباته لتمدد الكون، يقول العالم الفلكي الشهير ستيف هاكنغ :« إن إدوين هابل أجرى سنة 1929م مشاهدة تعد علامة طريق هي أنك حيثما وجهت بصرك، تجد المجرات البعيدة تتحرك بسرعة بعيدا عنا. وبكلمات أخرى فإن الكون يتمدد. ويعني هذا أن الأشياء كانت في الأوقات السالفة أكثر اقترابا معا. والحقيقة أنه يبدو أنه كان ثمة وقت منذ حوالي عشرة أو عشرين ألف مليون سنة، حيث كانت الأشياء كلها في نفس المكان بالضبط، وبالتالي فإن كثافة الكون وقتها كانت لا متناهية. وهذا الاكتشاف هو الذي أتى في النهاية بمسألة بداية الكون إلى دنيا العلم»[4].
وعندما بدأ الفلكيون في مطلع العشرينيات بتحليل الأطياف الضوئية للنجوم الواردة على كوكبنا، وجدوا أن هذه الأطياف الضوئية تنحرف نحو اللون الأحمر، وهذا يعني أن منبع الضوء يبتعد عنا، أي أن النجوم الأخرى والمجرات تبتعد عنا، يقول ستيف هاكنغ :«فقد كان من المفاجئ تماما أن نجد أن معظم المجرات ذات إزاحة حمراء، فكلها تقريبا تتحرك بعيدا عنا، بل والأكثر مفاجأة اكتشاف "هابل" الذي نشر في 1929م، فحتى حجم الإزاحة الحمراء لمجرة ما لم يكن عشوائيا، ولكنه يتناسب طرديا مع بعد المجرة عنا. أو بكلمات أخرى، كلما زادت المجرة بعدا، زادت سرعة تحركها بعيدا»[5]، وبهذا الاكتشاف أثبت العلم عن غير قصد أن للكون بداية، وما له بداية لابد أن يكون له مبدئ، ولذلك أشار كريسى موريسون في حديثه عن بداية الكون، حيث قال: »وتدل الشواهد من الكيمياء وغيرها من العلوم على أن بداية المادة لم تكن بطيئة أو تدريجية، بل أوجدت بصورة فجائية، وتستطيع العلوم أن تحدد لنا الوقت الذي نشأت فيه هذه المواد، وعلى ذلك فان هذا العالم المادي لا بد أن يكون مخلوقا»[6]
وما دام الكون في توسع دائم، إذن لو اتجهنا عكسيا، أي إلى الوراء، فمن الضروري أن الكون كله كان متمركزًا في السابق في نقطة واحدة تؤول إلى الصفر، وهذا ما أثبته العلم، أن الكون كان عبارة عن نقطة صغيرة جداً، بضغط رهيب ودرجة حرارة خيالية، أما قولهم أن حجم هذه النقطة كان صفرا فهو حقيقة أخرى وضربة أخرى للماديين، واثبات للخلق من عدم، فالصفر في لغة الفيزياء هو العدم، يقول الدكتور هارون يحيى في إحدى مقالاته:«لقد قاد اكتشاف "هابل" لحقيقة الكون المتمدد لانبثاق نموذج آخر كان ضرورياً لكي لا يكون هناك عبث، ولكي يجعل نتائج معادلاته صحيحة، فإذا كان الكون يتضخم ويكبر مع مرور الوقت فهذا يعني أن العودة إلى الخلف تقودنا نحو كون أصغر، ثم إذا عدنا إلى الخلف أكثر ( لمدى بعيد)، فإن كل شيء سوف ينكمش ويتقارب نحو نقطة واحدة، والنتيجة الممكن التوصل إليها من ذلك هو أنه في وقت ما كانت كل مادة الكون مضغوطة في كتلة نقطية واحدة لها حجم صفر بسبب قوة النقطية ذات الحجم الصفر، وهذا الانفجار الذي وقع سمي بالانفجار الكبير، توجد حقيقة أخرى مهمة تكشفها نظرية الانفجار الكبير، فلكي نقول أن شيئاً ما له حجم صفر فهذا يكافئ القول بأنه لم يكن هناك شيء، وأن كل الكون خلق من ذلك اللاشيء، والأكثر من ذلك أن للكون بداية وهذا عكس ما ذهبت إليه المادية من أن الكون لا أول له ولا آخر»[7].
ويقول الفيزيائي ادموند ويتيكر: «ليس هناك ما يدعو إلى أن نفترض أن المادة والطاقة كانتا موجودتين قبل الانفجار العظيم وأنه حدث بينهما تفاعل فجائي، فما الذي يميز تلك اللحظة عن غيرها من اللحظات في الأزلية؟ والأبسط أن نفترض خلقاً من العدم، أي إبداع الإرادة الإلهية للكون من العدم»[8]. وينتهي الفيزيائي إدوارد ميلن، بعد تفكره في الكون المتمدد، إلى هذه النتيجة قائلا: «أما العلة الأولى للكون في سباق التمدد فأمر إضافتها متروك للقارئ. ولكن الصورة التي لدينا لا تكتمل من غير الله»[9]
لقد شكلت هذه النظرية ضربة قوية لمزاعم المادية الملحدة حيث يقول أحد أكبر فلاسفتهم "أنطوني فلو ": «يقولون إن الاعتراف يفيد الإنسان من الناحية النفسية. وأنا سأدلي باعتراف؛ إن أنموذج الانفجار الكبير شيء محرج جدا بالنسبة للملحدين، لأن العلم أثبت فكرة دافعت عنها الكتب الدينية... فكرة أن للكون بداية». ويقول العالم "دونيس سكايما" -وكان من أشد أنصار نظرية الكون المستقر- وهو يبدي أسفه على انتصار نظرية الانفجار الكبير: «لم أدافع عن نظرية الكون المستقر لكونها صحيحة، بل لرغبتي في كونها صحيحة. ولكن بعد أن تراكمت الأدلة فقد تبين لنا أن اللعبة قد انتهت، وأنه يجب ترك نظرية الكون المستقر جانبا»[10].
إن نظرية "توسع الكون" ونظيرتها "الانفجار الكبير" تعتبران أبرز الثورات الفكرية في العشرينيات من القرن الماضي، ولم يُفكر أحد في ذلك من قبل لا على مستوى الفلاسفة ولا على مستوى علماء المادة.
بيد أن هاتين النظريتين سبق أن تم ذكرهما في كتابٍ منذ أزيد من ألف وأربعمائة سنة، فقد ذكرت هذه الحقيقة العلمية في القرآن الكريم حيث يقول تعالى: ﴿ وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ﴾ [11]، وقوله سبحانه ﴿ أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا ﴾ آيتان في قمة البلاغة اللغوية والإعجاز العلمي.
فكان هذا الكشف الجديد دليلا على حدوث الكون من جهة، ودليلا على أن القرآن كلام رب العالمين من جهة أخرى.
وهنا ستعرض شبهة لطالما احتج بها الملاحدة في هذا الباب
ألا وهي نظرية النواس أي أن الكون ينفجر فيتمدد ثم سينكمش لينفجر مرة أخرى إلى ما لا نهاية
و الرد على نظرية النوسان المزعومة يتخذ عدة طرق سأكتفي هنا بالدليل العلمي على نقض فكرة النوسان على أن هناك أدلة أخرى
وسأقتطف جزءا من كتاب "العلم من منظوره الجديد"حيث يقول مؤلفاه [12]: «وهناك فرضية أخرى طرحت تجنباً لافتراض بداية للكون، هي نظرية نوسان الكون Oscillating Universe. ومؤدي هذه النظرية أنه إذا كان في الكون كمية كافية من المادة فإن شد الجاذبية سوف يوقف في نهاية المطاف التمدد الحالي ويعكسه، بحيث ينتج من ذلك آخر الأمر انهيار ثان لكل المادة في ما قد يصح أن نطلق عليه اسم «الانكماش العظيم». وتوحي نظرية النوسان (الذبذبة) هذه بأن «انفجارا عظيماً» آخر يرجح أن يعقب عملية الانهيار، وأن الكون ربما ظل ينوس على هذا النحو بين عمليات «انفجار» و«انكماش» إلى الأبد. وبهذه الطريقة يمكن الحفاظ على أزلية المادة. وعلى هذه النظرية يعلق ستيفن فاينبيرغ مؤلف كتاب «الدقائق الثلاث الأولى» (The First Three Minutes)، وهو وصف دقيق للمراحل الأولى من نشأة الكون، قائلاً: «بعض المتخصصين في علم الكونيات تشدهم نظرية نوسان الكون فلسفياً، خصوصاً وأنها تتجنب ببراعة، شأن نظرية استقرار حال الكون، مشكلة النشأة الأولى. غير أنها تواجه صعوبة نظرية شديدة واحدة: ففي كل دورة من تمدد الكون وانكماشه تطرأ على نسبة الفوتونات إلى الجسيمات النووية (أو على الأصح درجة التعادل الحراري لكل جسيم نووي) زيادة طفيفة بفعل نوع من الاحتكاك يعرف بلزوجة الحجم (bulk viscosity). وفي هذه الحالة، في حدود ما نعلم، سيبدأ الكون كل دورة جديدة بنسبة جديدة للفوتونات إلى الجسيمات النووية تكون أكبر من سابقتها بقليل. وهذه النسبة ضخمة في الوقت الحاضر ولكنها متناهية، بحيث يصعب أن نتصور كيف يمكن أن يكون العالم قد مر في السابق بعدد من الدورات غير متناه».
وتستند حجة فاينبيرغ في هذه المسألة إلى نتيجة محتومة مترتبة على إحدى الخواص الجوهرية للمادة، وهي القانون الثاني للديناميكاً الحرارية. ويقول هذا القانون إن المادة إذا ضغطت سخنت وارتفعت درجة تعادلها الحراري (الأنتروبيا). وهكذا كلما ازداد عدد «الانكماشات العظيمة» للكون ازدادت حرارته ودرجة تعادله الحراري. وحيث إن درجة حرارة الكون ودرجة تعادله الحراري محدودتان في الوقت الراهن فلابد من أنه كانت له بداية. ومن المفترض أن يبدأ كل «انفجار عظيم»، في إطار نوسان الكون، بدرجة حرارة أعلى من درجة حرارة الانفجار الذي سبقه، ومن هنا لزم أن تكون درجة حرارة الكون في ختام سلسلة طويلة من الانفجارات العظيمة والانكماشات العظيمة أعلى كثيراً من 3.5 درجة مطلقة.
والواقع أن الحجج المستفيضة المتعلقة بالديناميكا الحرارية لا تشير إلى أي تكرار على الإطلاق في عملية التمدد الأصلي. يقول الفيزيائي سدني أ. بودمان (Sidney A. Blidman): «إن عالمنا لا يمكن له أن يرتد في المستقبل. والأكوان المغلقة المنسوبة إلى فريدمان (Friedmann) كانت تسمى فيها مضي الأكوان المتذبذبة. ونحن ندرك الأن أن أي كون مغلق لا يمكن أن يمر إلا بدورة واحدة من دورات التمدد والانكماش بسبب ضخامة الأنتروبيا المتولدة في كوننا الذي هو أبعد ما يكون عن النوسان. وسواء أكان الكون مغلقاً أم مفتوحاً، مرتداً أم متمدداً على وتيرة واحدة، فإن التحولات غير العكوسة في أطوار الكون تدل على أن للكون بداية ووسطاً ونهاية محددة». كذلك فإن نظرية النوسان لا تنسجم مع النسبية العامة. ومن هنا يخلص جون ويلر إلى أن عملية انكماش كبيرة واحدة من شأنها أن تنهي الكون إلى الأبد، فيقول: "لو حصل انهيار في الجاذبية فسنكون قد وصلنا إلى نهاية الزمن. وما من أحد قط استطاع أن يجد في معادلات النسبية العامة أدنى حجة تؤيد القول «بعملية تمدد أخرى» أو بوجود «كون ذي دورات»، أو أي شيء آخر سوى النهاية.
يبدو إذاً أن المادة ليست أزلية بالرغم من كل شيء. وكما يعلن عالم الفيزياء الفلكية جوزف سلك (Joseph Silk) فإن «بداية الزمن أمر لا مناص منه». كما يخلص الفلكي روبرت جاسترو (Robert Jastrow) إلى أم «سلسلة الحوادث التي أدت إلى ظهور الإنسان بدأت فجأة وبعنف في لحظة محددة من الزمن، وفي ومضة ضوء وطاقة.
ها قد أثبت العلم قضايا، أقرها ديننا الحنيف قبل 1400 سنة،
وبعد نكسة العقل الغربي لمدة ثلاث قرون من الزمن، بدأنا نشاهد عودته إلى الدين، وبدأنا نشاهد عودة العلم إلى أصله الحقيقي (ففي إسلامنا العلم والدين لا يفترقان)
--------------------------------------------------------------------------------
[1] الله يتجلى في عصر العلم – كريسي موريسون – ج 2 ص 31
[2] الإسلام يتحدى – وحيد الدين خان – ص 55 -56 بتصرف
[3] فقد بقيت هذه النظرية فرضية معلقة، حتى حصل لها دعم علمي في سنة 1965 حيث "اكتشف العالمان الأمريكيان"أرنو بانزياس" و"روبرت ويلسون" عن غير قصد، موجات راديو منبعثة من جميع أرجاء الكون لها نفس الميزات الفيزيائية في أي مكان أو زمان سجلت فيه، سُمّيت بالنور المتحجّر وهو النور الآتي من الأزمنة السحيقة ومن بقايا الانفجار العظيم الذي حصل في الثواني التي تلت نشأة الكون.وللمزيد من التوسع انظر موجز تاريخ الزمن لستيفن هاكنغ ص 47 - 49
[4] موجز تاريخ الزمن – ستيف هاكنغ – ص 17
[5] المرجع السابق – ص 46
[6] الله يتجلى في عصر العلم – كريسي موريسون – ج 2 ص 28
[7] مقال خلق الكون من العدم والانفجار الكوني الكبير – هارون يحيى - موقع الإعجاز العلمي في القرآن والسنة
[8] العلم من منظوره الجديد - روبرت م.أغروس وَ جورج ن.ستانسيو- ص 59 – 60
[9] المرجع السابق ص 60
[10] مقال حدوث الكون حقيقة قررها الدين وأثبتها العلم - أورخان محمد علي – موقع مجلة حراء
[11] الذاريات - 47
[12]العلم من منظوره الجديد - روبرت م.أغروس وَ جورج ن.ستانسيو- ص 58
تعاليق
الأربعاء فبراير 24, 2010 8:07 am
ب - بطلان الدور:
الدور هو توقف الشيء على نفسه، بأن يكون هو نفسه علة لنفسه بواسطة أو بدون واسطة[1].
أو توقف شيء على شيء قد توقف على الأول بمرتبة أو مراتب بمعنى : توقف الشيء على ما توقف عليه[2].
وهذا الدور هو الدور السبقي أو الدور القبلي[3]، وهو باطل لأنه يقتضي أن يكون الشيء نقيض نفسه، فيكون متقدماً ومتأخراً في لحظة واحدة وموجوداً ومعدوماً في وقت واحد، وهذا جمع بين النقيضين، والجمع بين المتناقضات باطل.
يقول ابن تيمية:« فأما الدور القبلي فممتنع، فإنه إذا كان هذا لا يوجد إلا بعد ذاك، وذاك لا يوجد إلا بعد هذا، لزم أن يكون ذاك موجودا قبل هذا، وهذا قبل ذاك، فيكون كل من هذا وذاك موجودا قبل أن يكون موجودا، فيلزم اجتماع الوجود والعدم غير مرة، وذلك كله ممتنع»[4].
ما قاله ابن تيمية بين فيه بطلان الدور لأنه يلزم اجتماع الوجود والعدم، وهو ايضا باطل لأنه يجمع التقدم والتأخر فهو يستلزم -أي الدور- يستلزم تقدم الشيء على نفسه وهو ضروري الاستحالة، وجه الاستلزام أن الشيء إذا كان علة لآخر كان متقدما عليه وإذا كان الآخر علة له كان متقدما عليه والمتقدم على المتقدم على الشيء متقدم على ذلك الشيء فيكون الشيء متقدما على نفسه ويلزمه كون الشيء متأخرا عن نفسه وهو معنى احتياجه إلى نفسه وتوقفه على نفسه والكل بديهي الاستحالة
أمثلة توضيحية لبطلان الدور
· الكون وجد بنفسه: هذا الكلام فيه دور مرفوض عقلا، إذ يقتضي أن يكون الكون علة لنفسه، ومعلولا لها بآن واحد، فجُعِلَت العلة هي نفس المعلول، وهذا يقتضي أن يكون وجود الكون سابقاً على وجوده نفسه، وفي هذا تناقض ظاهر، فمعلوم أن العلة تسبق المعلول في الوجود، فبوصف الكون علة هو موجود، وبوصفه معلولا هو غير موجود، فهو إذن حسب الدعوى موجود غير موجود أو موجود ومعدوم، وهذا جمع بين النقيضين وهو باطل.
· لو قلنا أن الدجاجة متوقف وجودها على البيضة، والبيضة متوقف وجودها على الدجاجة، فهذا أيضا دور مستحيل، إذ يقتضي أن علة الدجاجة البيضة وعلة البيضة الدجاجة، وهذا دور بواسطة، وكلاهما سيظل معدوما ما دام متوقفا على الآخر.
وبطلان ذلك يظهر إذا أزلنا الواسطة، فستصير الجملة كالتالي: علة الدجاجة هي الدجاجة نفسها أو علة البيضة هي البيضة نفسها.
فلزم منه إثبات أن يكون الشيء الواحد موجودا قبل أن يكون موجودا، ليوجِد شيئا آخر، يكون هذا الشيء الآخر علَّة في وجود ما كان هو سببا في وجوده، وهذا باطل بَيِّنُ البطلان.
· لو فرضنا أن شخصا حاول الانتساب إلى شعبة الدراسات الإسلامية، فقيل له إن ذلك متوقف على أن تكون مسجلا في جامعة الشريعة، ولما حاول التسجيل في جامعة الشريعة، قيل له إن ذلك متوقف على أن تكون عندك شهادة حسن السيرة، ولما حاولت أخذ هذه الشهادة قيل لك إن ذلك متوقف على أن تكون مسجلا في شعبة الدراسات. فمن البديهي أنه لن يستطيع أن يحقق لنفسك أي الغرض ما دام سقط في هذا الدور الممتنع.
فالدور المستخدم في المثال الأول -حدوث الكون بنفسه- والمثال الثاني -الدجاجة والبيضة- يسمى الدور الصريح، لأنه دور يتوقف فيه الشيء على نفسه مباشرة دون واسطة أو بواسطة واحدة.
والدور المستخدم في المثال الثالث يسمى دورا مضمرا لتوقف الشيء على نفسه بواسطة عنصرين فأكثر.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] انظر ضوابط المعرفة ص 323
[2] مذكرة التوحيد - عبد الرزاق عفيفي – ص 12
[3] يجب التفريق بين الدور السبقي والدور المَعِّي الاقتراني، فهذا الأخير دور لا استحالة فيه، مثل توقف كل من المتضايقين على الآخر، كالأبوة والبنوة، والأكبر والأصغر، إذ لا تُتَصور الأبوة إلا مع البنوة، ولا يتصور الأكبر إلا مع الأصغر.
[4] درء التعارض ج 3 ص 143 - 144
الدور هو توقف الشيء على نفسه، بأن يكون هو نفسه علة لنفسه بواسطة أو بدون واسطة[1].
أو توقف شيء على شيء قد توقف على الأول بمرتبة أو مراتب بمعنى : توقف الشيء على ما توقف عليه[2].
وهذا الدور هو الدور السبقي أو الدور القبلي[3]، وهو باطل لأنه يقتضي أن يكون الشيء نقيض نفسه، فيكون متقدماً ومتأخراً في لحظة واحدة وموجوداً ومعدوماً في وقت واحد، وهذا جمع بين النقيضين، والجمع بين المتناقضات باطل.
يقول ابن تيمية:« فأما الدور القبلي فممتنع، فإنه إذا كان هذا لا يوجد إلا بعد ذاك، وذاك لا يوجد إلا بعد هذا، لزم أن يكون ذاك موجودا قبل هذا، وهذا قبل ذاك، فيكون كل من هذا وذاك موجودا قبل أن يكون موجودا، فيلزم اجتماع الوجود والعدم غير مرة، وذلك كله ممتنع»[4].
ما قاله ابن تيمية بين فيه بطلان الدور لأنه يلزم اجتماع الوجود والعدم، وهو ايضا باطل لأنه يجمع التقدم والتأخر فهو يستلزم -أي الدور- يستلزم تقدم الشيء على نفسه وهو ضروري الاستحالة، وجه الاستلزام أن الشيء إذا كان علة لآخر كان متقدما عليه وإذا كان الآخر علة له كان متقدما عليه والمتقدم على المتقدم على الشيء متقدم على ذلك الشيء فيكون الشيء متقدما على نفسه ويلزمه كون الشيء متأخرا عن نفسه وهو معنى احتياجه إلى نفسه وتوقفه على نفسه والكل بديهي الاستحالة
أمثلة توضيحية لبطلان الدور
· الكون وجد بنفسه: هذا الكلام فيه دور مرفوض عقلا، إذ يقتضي أن يكون الكون علة لنفسه، ومعلولا لها بآن واحد، فجُعِلَت العلة هي نفس المعلول، وهذا يقتضي أن يكون وجود الكون سابقاً على وجوده نفسه، وفي هذا تناقض ظاهر، فمعلوم أن العلة تسبق المعلول في الوجود، فبوصف الكون علة هو موجود، وبوصفه معلولا هو غير موجود، فهو إذن حسب الدعوى موجود غير موجود أو موجود ومعدوم، وهذا جمع بين النقيضين وهو باطل.
· لو قلنا أن الدجاجة متوقف وجودها على البيضة، والبيضة متوقف وجودها على الدجاجة، فهذا أيضا دور مستحيل، إذ يقتضي أن علة الدجاجة البيضة وعلة البيضة الدجاجة، وهذا دور بواسطة، وكلاهما سيظل معدوما ما دام متوقفا على الآخر.
وبطلان ذلك يظهر إذا أزلنا الواسطة، فستصير الجملة كالتالي: علة الدجاجة هي الدجاجة نفسها أو علة البيضة هي البيضة نفسها.
فلزم منه إثبات أن يكون الشيء الواحد موجودا قبل أن يكون موجودا، ليوجِد شيئا آخر، يكون هذا الشيء الآخر علَّة في وجود ما كان هو سببا في وجوده، وهذا باطل بَيِّنُ البطلان.
· لو فرضنا أن شخصا حاول الانتساب إلى شعبة الدراسات الإسلامية، فقيل له إن ذلك متوقف على أن تكون مسجلا في جامعة الشريعة، ولما حاول التسجيل في جامعة الشريعة، قيل له إن ذلك متوقف على أن تكون عندك شهادة حسن السيرة، ولما حاولت أخذ هذه الشهادة قيل لك إن ذلك متوقف على أن تكون مسجلا في شعبة الدراسات. فمن البديهي أنه لن يستطيع أن يحقق لنفسك أي الغرض ما دام سقط في هذا الدور الممتنع.
فالدور المستخدم في المثال الأول -حدوث الكون بنفسه- والمثال الثاني -الدجاجة والبيضة- يسمى الدور الصريح، لأنه دور يتوقف فيه الشيء على نفسه مباشرة دون واسطة أو بواسطة واحدة.
والدور المستخدم في المثال الثالث يسمى دورا مضمرا لتوقف الشيء على نفسه بواسطة عنصرين فأكثر.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] انظر ضوابط المعرفة ص 323
[2] مذكرة التوحيد - عبد الرزاق عفيفي – ص 12
[3] يجب التفريق بين الدور السبقي والدور المَعِّي الاقتراني، فهذا الأخير دور لا استحالة فيه، مثل توقف كل من المتضايقين على الآخر، كالأبوة والبنوة، والأكبر والأصغر، إذ لا تُتَصور الأبوة إلا مع البنوة، ولا يتصور الأكبر إلا مع الأصغر.
[4] درء التعارض ج 3 ص 143 - 144
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
لقد امتاز المنهج الإسلامي مقارنة مع باقي الفلسفات التي سبقته -الفلسفة اليونانية والإغريقية- بسبقه إلى القول بحدوث العالم، فقد كان الاعتقاد السائد قبل ظهور الإسلامي بقدم العالم وقِدم مادته، فلما جاء الإسلام، ودون حدوث أي تطور علمي يستوجب نقض الفكرة الفيزيائية اليونانية قال هذا الفكر مستهدياً بالوحي السماوي: إن العالم محدَث مخلوق وليس قديما، ثم جاء الفكر العلمي المعاصر ليؤكد هذه الحقيقة من خلال القول بوجود لحظة ابتداء للكون.
فيكفينا كمسلمين، أن نستدل على حدوث الكون بكلام الله عز وجل، لأنه يعلم السر وأخفى، وعنده مفاتيح الغيب وأسرار الكون، وسأعرض جملة من الآيات التي لطالما قرأناها ولم نتبين سرها وعظمتها لأنها أُلقِيت بأوجز عبارة وألطف إشارة، فلا يدركها إلا أربابها، وقد جمعتْ هذه الآيات بين قوتين مثينتين، فاستحال نقضها أو زعزعتها، لقد جمعتْ بين الدليل الرباني الشرعي القاطع والدليل العقلي الساطع، وكما يذكر ابن تيمية، أن مثل هذه الآيات التي تضم كلتا مصادر معرفتنا هي أدلة شرعية عقلية، فكانت بحق تحديا للذين زعموا خلو القرآن من الأدلة العقلية، ولم تقتصر على مخاطبة أهل الاختصاص، بل خاطبت العالم والعامي في بيان موجز وعبارات محكمة، يعجز البشر على الإتيان بنظيرها.
ولنتأمل في الآيات التالية التي تقرر في بعضها أن المخلوقات مسبوقة بالعدم، وفي البعض الآخر أنها تقبل الوجود والعدم، وكلاهما يشيران إلى الحدوث والافتقار إلى المحدِث، يقول تعالى:
• أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ [1]
• أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا [2]
• هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا [3]
• وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ [4]
• فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (26) فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا [5]
• وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (4) وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5) وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا [6]
• تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا (61) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا [7]
والآيات الدالة على حدوث الكون عديدة، أكتفي بما ذكرته لدلالته على المطلوب.
وهكذا أكد كلام رب العالمين على حدوث الكون بآيات باهرة معجزة، نزلت على الرسول الأمي قبل أزيد من أربعة عشر قرنا، وتحدى بها كفار قريش ولا زال التحدي قائما إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
___________________________
[1] سورة الطور آية 35
[2] سورة مريم آية 67
[3] سورة الإنسان آية 1
[4] سورة المؤمنون آية 12 - 14
[5] سورة عبس آية 24 - 27
[6] سورة الشمس آية 1 - 6
[7] سورة الفرقان آية 61 - 62
سبق أن ذكرنا أن الاستدلال على وجود الله تعالى استنادا على دليل الحدوث يعتمد على قضيتين، وبعد إثباتنا للقضية الأولى – حدوث العالم – بقي لنا أن نثبت أن كل حادث لابد له من محدث قديم.
ثانيا إثبات أن كل حادث لابد له من محدث قديم:
من الضروريات العقلية التي لا خلاف فيها بين العقلاء أن لكل حادث سبب [1]، يفسر لماذا وقع هذا الحادث ولما كان على هذا النحو، ووجود هذا القانون الذي يحكم المادة ليس منوطا بإدراكنا له، فسواء آدركناه أو لم ندركه سيبقى قانونا ثابتا، فعدم معرفتنا بوجود سبب لحادث ما ليس دليلا على عدم وجود هذا السبب.
وجميع البحوث العلمية إنما قامة لتكشف الستار عن قانون السببية بين الأشياء المادية-لكل حادث محدث- فمطلوبات العلوم جميعها، ما هي إلا أحداث لا تعلم أسبابها، ولولا ذلك ما كان هناك شيء اسمه البحث العلمي.
ولا يستطيع أحد أن يثبت خطأ قانون السببية، فبدونه تنعدم جميع الأشياء الحية. والعقل البشري لا يستطيع أن يعمل إلا على أساس السببية.
فمبدأ السببية قامت عليه المعارف البشرية البدائية والمعقدة على حد سواء ولا ينكر ذلك أحد من العقلاء.
أولا أدلة مبدأ السببية
• الدليل الفطري على مبدأ السببية :
مبدأ السببية القائم بلزوم علة لكل حادث من مبادئ الذهن الأولى المدَبِّرة له، فكل إنسان يستخدمه وربما لا يعرفه في حالته الابتدائية أي يستخدمه من حيث لا يشعر، ولولا مثل هذه المبادئ لما تقررت أي حقيقة في الأذهان.
وقد أشار ابن حزم لبعض البديهيات و العلوم الضرورية التي يستوي فيها الجاهل و العالم والصغير و الكبير فيقول:« إن الصبي الصغير في أول تمييزه يعلم بأنه لا يكون فعل إلا لفاعل فإنه إذا رأى شيئا قال من عمل هذا ولا يقنع البتة بأنه العمل دون عامل وإذا رأى بيد آخر شيئا قال من أعطاك هذا» [4] وكذلك فإن الصبي الصغير إذا سمع صوتا يتجه بصره نحو مصدره، موقنا أن لهذا الصوت سببا، بل حتى الحيوانات تخضع هي الأخرى لهذا المبدأ.
وهو مبدأ لا يتوقف البرهان عليه بالاستقراء فقط، فالعلم بأن الكتابة لابد لها من كاتب لا يتوقف على العلم بأن كل كتابة قد صدرت عن كاتب، فالعلم بالقضية المعينة المخصوصة قد يكون أظهر من العلم بالقضية العامة الكلية، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية :«واعلم أن علم الإنسان بأن كل محدث لا بد له من محدث أو كل أثر فلا بد له من مؤثر، ونحو ذلك من القضايا الكلية والأخبار العامة، هو علم كلي بقضية كلية، وهو حق في نفسه، لكن علمه بأن هذا المحدث المعين لا بد له من محدث، هو أيضا معلوم له مع كون القضية معينة مخصوصة جزئية، وليس علمه بهذه القضايا المعينة المخصوصة موقوفا على العلم يتلك القضية العامة الكلية، بل هذه القضايا المعينة قد تسبق إلى فطرته قبل أن يستشعر تلك القضايا الكلية، وهذا كعلمه بان الكتابة لا بد لها من كاتب والبناء لا بد له من بان، فإنه إذا رأى كتابه معينة علم أنه لا بد لها من كاتب، وإذا رأى بنيانا علم انه لا بد من بان، وإن لم يستشعر في ذلك الحال كل كتابة كانت أو تكون أو يمكن أن تكون» [5] ويقول أيضا :« فإنه قد يكون علم الإنسان بالحكم في أعيانها المشخصة الجزئية أبده للعقل من الحكم الكلي ولا تكون معرفته بحكم المعينات موقوفة على تلك القضايا الكليات ولهذا كان علم الإنسان أنه هو لم يحدث نفسه لا يتوقف على علمه بأن كل إنسان لم يحدث نفسه ولا على أن كل حادث لم يحدث نفسه بل هذه القضايا العامة الكلية صادقة وتلك القضية المعينة صادقة والعلم بها فطري ضروري لا يحتاج أن يستدل عليه» [6].
إذا تبين لنا من كلام ابن حزم وكلام ابن تيمية أن مبدأ السببية قائم على العلم الضروري البديهي الذي يتفق عليه العقلاء في كل الأزمنة والأمكنة.
• الدليل العقلي :
1 - إن كل حادثة ممكنة الوجود، ومعنى الإمكان أن الوجود والعدم بالنسبة إليها متساويان، فلكي توجد الحادثة، لابد أن يترجح وجودها على عدمها. ولا بد في رجحان الوجود على العدم من مرجِّح لاستحالة ترجح أحد المتساويين على الآخر بلا مرجح، وهذا المرجح هو العلة، إذن فكل حادثة لها علة.
2 – الاستقراء : والاستقراء هو تتبُّع الجزئيات كلها أو بعضها للوصول إلى حكم عام يشملها جميعا، أو هو انتقال الفكر من الحكم على الجزئي إلى الكلي الذي يدخل الجزئي تحته [9].
وباستخدام هذه العملية التجريبية على العالم نلاحظ أن جل جزئياته خاضعة لقانون السببية فإما أن تكون علة أو معلولة .
________________________________________
[1] يجب التمييز بين مبدأ السببية وعلاقة السببية القائمة بين الأشياء، ونقصد بمبدأ السببية أو العلية : أن لكل حادث سببا ، ونريد بعلاقة السببية أو علاقة العلية العلاقة القائمة بين الحرارة و التمدد، النار و الاحتراق ، فمعرفة أن التمدد أو الإحراق له سبب : أمر عقلي بديهي . ومعرفة أن سبب التمدد هو الحرارة و سبب الاحتراق هو النار أمر حسي تجريبي.
[2] نقصد بالدليل الفطري أي دليل العلم الضروري البديهي
[4] الفصل بين الملل و الأهواء و النحل – ابن حزم – ج 1 ص 12
[5] درء التعارض – ابن تيمية – ج 3 ص 119
[6] المرجع السابق ج 3 ص 120
[9] ضوابط المعرفة – عبد الرحمـن حبنكة الميداني – ص 188
ثانيا بطلان التسلسل والدور :
كثيرا ما احتج الملاحدة بوجود سلسلة لا نهائية من الحوادث، أو أن هذا الكون مستمر بحكم التفاعل الذاتي الذي لا أول له زعما منهم أن هذا دليل لنفي وجود الله عز وجل.
ونتيجة انتكاسة فطرهم لم يستطيعوا إدراك بطلان التسلسل والدور.
لذلك كان من الواجب تخصيص هذه الفقرة لإبطال زعمهم، تحقيقاً للحق وإبطالاً للباطل.
أ - بطلان التسلسل:
التسلسل[1] هو استناد وجود الممكن إلى علة مؤثرة فيه، وتستند هذه العلة إلى علة مؤثرة فيها، وهي إلى علة ثالثة مؤثرة فيها، وهكذا تسلسلاً مع العلل دون نهاية، يقول ابن تيمية :«ولفظ التسلسل يراد به التسلسل في المؤثرات، وهو أن يكون للحادث فاعل وللفاعل فاعل، وهذا باطل بصريح العقل و اتفاق العقلاء» [2].
ونستدل على بطلان التسلسل اللانهائي من وجوه :
الوجه الأول:
إن الموجودات بأسرها إما أن تكون واجبة الوجود أو ممكنة الوجود أو ممتنعة الوجود، فأما الأول فباطل لأنا نشاهد في العالم ما يحدث بعد أن لم يكن والواجب بنفسه لا يسبقه العدم، والثاني باطل أيضا لان ممكن الوجود هو الذي يمكن وجوده وعدمهن أي هو الذي يسبقه العدم، وما سبقه العدم لا يستطيع إيجاد نفسه، فوجب وجود موجود لم يسبقه العدم افتقرت إليه الموجودات جميعها، أما الثالث فهو باطل لأن العالم موجود، فما وجد لا يكون ممتنع الوجود.
فلزم لبطلان هذه الأقسام الثلاثة أن يكون بعضها واجبا وبعضها ممكن.
وإذا كانت الموجودات إما واجبة وإما ممكنة وليس كلها ممكنا ولا كلها واجبا دل ذلك على انتهاء التسلسل وبطلان لانهائيته.
الوجه الثاني :
كل ممكن الوجود لا يوجد إلا بموجب يجب به وجود لأن الممكن كان مسبوقا بعدمه وهو مفتقر في وجوده إلى واجب الوجود الذي لا يسبقه العدم، والممكن لا بد لرجحان وجودها من مرجح واجب الوجود. [3]
الوجه الثالث :
الممكنات لا توجب الوجود بنفسها، فلا بد للممكن الذي يقبل الوجود والعدم من موجود ليس بممكن، ثم الموجود إما موجود بنفسه وإما بغيره وليس كل موجود وجد بنفسه لأن منها المحدثات التي يعلم بضرورة العقل أن وجودها ليس بأنفسها ، فثبت أن من الموجودات ما هو موجود بنفسه وما هو موجود بغيره، والموجود بنفسه هو الواجب و الموجود بغيره هو الممكن، فسقطة بذلك دعوى التسلسل اللانهائي.[4]
الوجه الرابع :
لو كانت العلل والمعلولات متعاقبة، فكل واحد منها حادث لا محالة. وعند ذلك فلا يخلو : إما أن يقال بأنها أزلية وهو محال لأن الأزلي لا يكون مسبوقا بالعدم، أو يقال بأنها ليس أزلية وهو المطلوب ، ويلزم من قول عدم أزليتها وعدم وجود واجب الوجود الأزلي بالقول بعدم وجودها، فبحكم العقل، العدم لا يعطينا وجودا وفاقد الشيء لا يعطيه، فتبين أن هذا القول خلاف المشاهد، فهذه العلل والمعلولات كل منها يكون مسبوقا بالعدم، فمجموعها مسبوق بالعدم، فوجب أن يكون لوجودها أول تنتهي إليه، فلو قيل لأحد لن أعطيك درهما إلا وقبله درهم لكان الإعطاء محال، كذلك الحال بالنسبة لمجموعة من الأصفار التي لا تكتسب قيمة إلا إذا كان عدد بين الواحد والتسعة على يسار هذه الأصفار، فالصفر يستمد القيمة من الصفر الذي إلى يساره، وهو أيضا إنما يستمد القيمة العددية من الصفر الثالث فالرابع فالخامس ... إلى أن تنتهي الأصفار برقم عددي كالواحد فما فوق. فهذا الرقم هو الذي يملك قيمة ذاتية في داخله، وهو الذي يضفي الحياة والقيمة على الأصفار المتسلسلة التي عن يمينه. فلو فرضنا أن سلسلة الأصفار لم تنته إلى رقد عددي يملك قيمة ذاتية، فهي أصفار خالية عن قيمة بل عن أي معنى الوجود.
وافتراض التسلسل اللانهائي فيها لا يغير من طبيعة الحال ولا يجعل لها أي قيمة
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية:«وإذا لم يكن في الوجود واجب لم يوجد شيء، فتكون الموجودات كلها معدومات»[5]. ويقول أيضا : «مهما قُدِّر من الممكنات التي ليست متناهية، فإنه ليس واحد منها موجودا بنفسه، بل هو مفتقر إلى ما يُبدعه ويُفعله... فإذا قدر ممكنات متسلسلة كل منها لا وجود له من نفسه لم يكن هناك إلا العدم، والوجود موجود محسوس، فعلم أن فيه ما هو موجود بنفسه ليس وجوده من غيره»[6] .
الوجه الخامس
قد يُقال: لما لا يجوز تطبيق مفهوم اللانهاية على العالم المادي، ذلك أن هذا المفهوم يتم تطبيقه فكريا، فمثلا: الذهن يقبل بفكرة عدم وجود نهاية للأعداد الرياضية حيث كلما تصورنا عددا إلا وكان بالإمكان أن نتصور عددا آخر يُضاف إليه ومادام هذا التصور ممكن عقلا، فلما لا يكون أيضا بالإمكان عقلا أن يكون تكون الكون عملية مستمرة على نحو لا نهائي.
أقول : إن مفهوم اللانهائية لا يجب تنزيله على الظاهرة المادية وهذا هو مايقوله علماء الرياضيات أنفسهم فالعالم الرياضي الشهير دافيد هلبرت يقول :" إن اللانهاية لا توجد داخل الطبيعة... إن دورها الوحيد الذي يمكن أن تقوم به هو دور فكرة"[7].
ونلاحظ التناقض الكبير عند محاولة تطبيق هذا المفهوم على العالم المادي ذلك أن العدد اللانهائي هو العدد الذي لا يقبل الزيادة ولا النقصان.
وأضرب لذلك مثلا، ففي علم الرياضيات نحن مضطرين أن نقبل بالنتيجة التالية:
∞ - 1 = + ∞ +
وأبسط هذه المعادلة بمثال بسيط :
لو فرضنا أن مكتبة ما، تحتوي على عدد لانهائي من الكتب وجاء قارئ وأخذ كتابا من هذه المكتبة، بديهيا المكتبة قد نقص منها كتاب، لكن رياضيا نحن مضطرين للقول بأن المكتبة لم ينقص منها كتاب لأنه يبقى دائما لانهائيا حتى لو أخذنا منها مليون كتاب.
بل والذي يضعنا في تناقض صارخ هو أننا لو فرضنا دخول عدد لانهائي من القراء وكل قارئ أخذ كتابا، فلن نستطيع القول أن المكتبة قد نفدت كتبها، فالعدد اللانهائي لا يقبل الزيادة ولا النقصان .
نستخلص من هذين المثالين أن مفهوم اللانهاية مفهوم لا يجب تنزيله على الظاهرة المادية الواقعية.
وهذا ما أشرت إليه آنفا في قولة عالم الرياضيات دافيد هلبرت :" إن اللانهاية لاتوجد داخل الطبيعة... إن دورها الوحيد الذي يمكن أن تقوم به هو دور فكرة".
وحتى الملحد دفيد هيوم يقول بصريح العبارة :"إن عددا لانهائيا من مراحل الزمن التي تتوالى يبدو مجرد فكرة متناقضة، وهي فكرة لا يوجد إنسان يقتنع بها دون أن يكون في اقتناعه يفكر على نحو فاسد مختل "[8].
------------------------------------
[1] يجب التفريق بين تسلسل الحوادث و تسلسل الآثار – انظر درء التعارض ج3 ص157
[2] درء التعارض ج 1 ص 363
[3]المرجع السابق ج 3ص 100 بتصرف
[4] المرجع السابق ج3ص101
[5] المرجع السابق ج3 ص 264
[6] المرجع السابق ج3 ص 149
[7] مقال أدلة الإيمان – الموقع الالكتروني لمنتدى التوحيد
[8] مقال أدلة الإيمان – الموقع الالكتروني لمنتدى التوحيد