10052011
التعامل مع الأخطاء فن .. فلكل باب مفتاح .. وللقلوب دروب ..
إذا وقع أحد في خطأ كبير .. وانتشر خبره في الناس .. وبدأ الناس يترقبون ماذا تفعل فأشغلهم بشيء .. حتى يكون عندك وقت لدراسة الأمر .. حتى لا يتجرّأ أحد على مثل فعله .. أو يتعودوا على مثل هذا الخطأ ..
خرج صلى الله عليه وسلم مع أصحابه في غزوة بني المصطلق ..
وأثناء رجوعهم .. نزلوا يستريحون ..
فأرسل المهاجرون غلاماً لهم اسمه : جهجاه بن مسعود .. ليستقي لهم من البئر ماءً ..
وأرسل الأنصار غلاماً لهم اسمه : سنان بن وبر الجهني .. ليستقي لهم أيضاً ..
فازدحم الغلامان على الماء .. فكسع أحدهما صاحبه .. أي ضربه على مؤخرته ..
فصرخ الجهني : يااااا معشر الأنصار ..
وصرخ جهجاه : يااااا معشر المهاجرين ..
فثار الأنصار .. وثار المهاجرون ..
واشتد الخلاف .. والقوم قادمون من حرب .. ولا يزالون بسلاحهم !!
فانطلق .. حتى اطفأ ما بينهم ..
فتحركت الأفاعي ..
غضب عبد الله بن أبي بن سلول .. وعنده رهط من قومه الأنصار ..
فقال : أوقد فعلوها!! قد نافرونا .. وكاثرونا في بلادنا .. والله ما أعدُّنا وجلابيب قريش هذه .. إلا كما قال الأول : سَـمِّن كلبك يأكلك .. وجوِّع كلبك يتبعك !!
ثم قال الخبيث : أما والله لئن رجعنا الى المدينة .. ليخرجن الأعزُّ منها الأذلَّ ..
ثم أقبل على من حضره من قومه فقال : هذا ما فعلتم بأنفسكم .. أحللتموهم بلادكم .. وقاسمتموهم أموالكم .. أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم .. لتحولوا إلى غير داركم ..
وجعل الخبيث يهدد ويتوعد .. والذين عنده من أنصاره المنافقين .. يؤيدونه ويشجعونه ..
كان من بين الجالسين غلام صغير .. اسمه زيد ابن أرقم ..
فمضى إلى رسول الله فأخبره الخبر ..
وكان عمر بن الخطاب جالساً عند النبي ..
فثار .. كيف يجرؤ هذا المنافق على رسول الله بهذا الأسلوب القبيح .. ورأى عمر أن قتل الأفعى أولى من قطع ذيلها .. ورأى أن قتل ابن سلول .. يقضي على الفتنة في مهدها ..
ولكن أن يقتله رجل من قومه الأنصار .. أسلم من أن يقتله رجل من المهاجرين ..
ففقال عمر : يا رسول الله ..
من مر به عباد ابن بشر الأنصاري فليقتله ..
لكن رسول الله كان أحكم .. فهم قادمون من حرب .. والناس بسلاحهم .. والنفوس مشحونة .. وليس من المناسب إثارتهم أكثر ..
فقال : فكيف يا عمر اذا تحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه ؟!
لا يا عمر .. ولكن آذن الناس بالرحيل ..
وكان الناس قد نزلوا للتوّ واستظلوا .. فكيف يأمرهم بالرحيل .. في شدة الحر والشمس ..
ولم تكن عادته أن يرتحل في شدة الحر ..
ارتحل الناس ..
وبلغ عبد الله بن سلول أن رسول الله .. أخبره زيد بن أرقم بما سمع منه ..
فأقبل ابن سلول إلى رسول الله .. وجعل يحلف بالله .. ما قلت .. ولا تكلمت به .. كذب عليَّ الغلام ..
وكان ابن سلول رئيساً في قومه .. شريفا عظيما ..
فقال الأنصار : يا رسول الله .. عسى أن يكون الغلام أوْهمَ في حديثه .. ولم يحفظ ما قال الرجل ..
وجعلوا يدافعون عن ابن سلول ..
فأقبل سيد من سادة الأنصار .. أسيد بن حضير .. فحياه بتحية النبوة وسلم عليه .. وقال :
يا رسول الله .. والله لقد رحت في ساعة منكرة .. ما كنت تروح في مثلها !!
فالتفت إليه وقال : أو ما بلغك ما قال صاحبكم ؟
قال : أي صاحب يا رسول الله ؟
قال : عبد الله بن أبي ..
قال : وما قال ؟
قال : زعم أنه ان رجع الى المدينة أخرج الأعزُّ منها الأذلَّ ..
فثار أسيد وقال : فأنت والله يا رسول الله تخرجه إن شئت .. هو والله الذليل .. وأنت العزيز ..
ثم قال أسيد مخففاً على رسول الله :
يا رسول الله .. ارفق .. لقد جاءنا الله بك وإن قومه لينظمون له الخرز ليتوجوه .. فإنه ليرى أنك قد استلبته ملكاً ..
فسكت النبي .. ومضى براحلته .. والناس منهم من يجمع متاعه .. ومنهم من يرحل راحلته ..
وجعلت الحادثة تنتشر .. وصارت أحاديث الجيش : .. لماذا ارتحلنا في هذا الوقت .. ماذا قال ؟ كيف تعامل معه ؟ صدق ابن سلول .. لا بل كذب ..
وبدأت الشائعات تزيد .. والكلام يزاد فيه ويُنقَص .. واضطرب الجيش .. وهم في طريقهم من قتال .. ويمرون بقبائل أعداء يتربصون بهم ..
فشعر أن الجيش بدأ ينقسم .. فأراد أن يشغلهم عن المشكلة .. وعن النقاش فيها .. لأنهم يزيدون أوارها .. ويشعلون الفتنة بين المهاجرين والأنصار ..
وصار الناس يترقبون متى ينزلون حتى يجتمع بعضهم إلى بعض ويتحدثوا في الأمر ..
فمشى بالناس يومهم ذلك والشمس فوقهم .. ومشى ومشى حتى غابت الشمس .. فظن الناس أنهم سينزلون للصلاة ويرتاحون .. فلم ينزل إلا دقائق معدودات .. صلوا ثم أمرهم فارتحلوا .. وواصل المشي ليلتهم حتى أصبح ..
ثم نزل فصلى الفجر .. ثم أمرهم فارتحلوا ..
ومشوا صباحهم حتى تعبوا .. وآذتهم الشمس ..
فلما شعر أن الإرهاق والتعب سيطر عليهم .. فليس فيهم جهد للكلام ..
أمرهم فنزلوا .. فما كادت أجسادهم تمس الأرض .. حتى وقعوا نياما ..
وإنما فعل ذلك ليشغل الناس عما حدث ..
ثم أيقظهم .. وارتحل بهم .. وواصل حتى دخل المدينة .. وتفرق الناس في بيوتهم عند أهليهم ..
وأنزل الله تعالى سورة المنافقين :
( هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ * يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ ) ..
فقرأها رسول الله .. ثم أخذ بأذن الغلام زيد بن أرقم .. وقال : هذا الذي أوفى لله بأذنه ..
وبدأ الناس يسبون ابن سلول .. ويلومونه ..
فالتفت إلى عمر وقال : أرأيت يا عمر .. لو قتلته يوم ذكرت ذلك .. لأرعدت له أنوف لو أمرتها اليوم بقتله لقتلته ..
ثم سكت عنه .. فلم يتعرض له بشيء ..
وأحياناً إذا وقع الخطأ أمام الناس قد تحتاج أن تنكر عليه بأسلوب مناسب .. وإن كان أمام الناس ..
بينما رسول الله جالساً يوماً مع أصحابه .. وكانوا في أيام قحط .. واحتباس مطر .. وقلة زرع ..
إذ أتاه أعرابي فقال :
يا رسول الله جهدت الأنفس .. وضاعت العيال .. ونهكت الأموال .. وهلكت الأنعام ..
فاستسق الله لنا .. فإنا نستشفع بك على الله .. ونستشفع بالله عليك ..
فتغير رسول الله .. لما سمعه يقول نستشفع بالله عليك ..
فالشفاعة والواسطة تكون من الأدنى إلى الأعلى .. فلا يجوز أن يقال إن الله يشفع عند خلقه .. بل يأمرهم جل جلاله .. لأنه أعلى وأرفع ..
فقال : ويحك !! أتدري ما تقول ؟!!
ثم جعل يقدس الله .. ويردد .. سبحااان الله .. سبحااان الله ..
فما زال يسبح حتى عُرف ذلك في وجوه أصحابه ..
ثم قال :
ويحك !! إنه لا يُسْتَشفعُ بالله على أحد من خلقه .. شأنُ الله أعظم من ذلك ..
ويحك !! أتدري ما الله ؟! إن عرشه على سماواته لهكذا .. وقال بأصابعه مثل القبة عليه .. وإنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب .. ( ) ..
ولكن إذا وقع الخطأ من الشخص لوحده قد يكون هناك شيء من اللين ..
أتى رسول الله r إلى بيت عائشة t في ليلتها ..
فوضع نعليه من رجليه .. ووضع رداءه .. واضطجع على فراشه ..
فلبث كذلك .. حتى ظن أن عائشة قد رقدت ..
فقام من على فراشه .. ولبس رداءه ونعليه .. رويداً ..
ثم فتح الباب رويداً .. وخرج .. وأغلقه رويداً ..
فلما رأت عائشة ذلك .. دخلتها غَيْرةُ النساء .. وخشيت أنه ذهب إلى بعض نسائه ..
فقامت .. ولبست درعها .. وخمارها .. وانطلقت في إثره .. تمشي وراءه .. دون أن يشعر بها ..
فانطلق r .. يمشي في ظلمة الليل .. حتى جاء مقبرة البقيع ..
فوقف عندها .. ينظر إلى قبور أصحابه .. الذين عاشوا عابدين .. وماتوا مجاهدين .. واجتمعوا تحت الثرى .. ليرضى عنهم من يعلم السرَّ وأخفى ..
أخذ r ينظر إلى قبورهم .. ويتذكر أحوالهم ..
ثم رفع يديه فدعا لهم .. ثم أخذ ينظر إلى القبور .. ثم رفع يديه ثانية فدعا لهم ..
ثم لبث ملياً .. ثم رفعها فاستغفر لهم ..
وأطال القيام .. وعائشة تنظر إليه من بعيد ..
ثم التفت r وراءه راجعاً ..
فلما رأت ذلك عائشة .. انحرفت إلى ورائها راجعة .. خشية أن يشعر بها ..
فأسرع r مشيه .. فأسرعت عائشة ..
فهرول .. فهرولتْ .. فأحضرَ – أي جرى مسرعاً - فأحضرتْ وجرت ..
حتى سبقته إلى البيت فدخلت ..
ونزعت درعها وخمارها .. وأقبلت إلى فراشها فاضطجعت عليه .. كهيئة النائمة .. ونفَسها يتردد في صدرها ..
فدخل r البيت .. فسمع صوت نَفَسها .. فقال :
مالك يا عائش .. حشياً رابية ..
قالت : لا شيء ..
قال : لتخبرني .. أو ليخبرني اللطيف الخبير ..
فأخبرته بالخبر .. وأنها غارت عليه .. فانطلقت تنظر أين يذهب ..
فقال r : أنت الذي رأيتُ أمامي ؟
قالت : نعم ..
فدفعها في صدرها .. دفعة .. ثم قال :
أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله ..
فقالت عائشة : مهما يكتمِ الناسُ .. يعلمه الله عز وجل ..؟
قال : نعم .. ثم قال r مبيناً لها خبر خروجه :
إن جبريل عليه السلام .. أتاني حين رأيت .. ولم يكن يدخل عليك وقد وضعت ثيابك ..
فناداني .. فأخفى منك فأجبته وأخفيته منك .. وظننت أنك قد رقدت .. فكرهت أن أوقظك .. وخشيت أن تستوحشي .. فأمرني أن آتي أهل البقيع فأستغفرَ لهم ..
نعم .. كان صلى الله عليه وسلم .. سهلاً لـيِّناً لا يكبر الأخطاء ..
بل كان يرددها في الناس ويقول :
كما عند مسلم : لا يفرك مؤمن مؤمنة .. إن كره منها خلقاً .. رضي منها آخر ..
أي لا يبغضها بغضاً تاماً .. لأجل خلق عندها .. أو طبعٍ يلازمها ..
بل يغفر سيئتها لحسنتها .. فإذا رأى خطأها تذكر صوابها .. وإذا شاهد سوءها تذكر حسنها ..
ويتغاضى عما يكرهه من خلقها .. وما لا يرضاه من تعاملها ..
إذا وقع أحد في خطأ كبير .. وانتشر خبره في الناس .. وبدأ الناس يترقبون ماذا تفعل فأشغلهم بشيء .. حتى يكون عندك وقت لدراسة الأمر .. حتى لا يتجرّأ أحد على مثل فعله .. أو يتعودوا على مثل هذا الخطأ ..
خرج صلى الله عليه وسلم مع أصحابه في غزوة بني المصطلق ..
وأثناء رجوعهم .. نزلوا يستريحون ..
فأرسل المهاجرون غلاماً لهم اسمه : جهجاه بن مسعود .. ليستقي لهم من البئر ماءً ..
وأرسل الأنصار غلاماً لهم اسمه : سنان بن وبر الجهني .. ليستقي لهم أيضاً ..
فازدحم الغلامان على الماء .. فكسع أحدهما صاحبه .. أي ضربه على مؤخرته ..
فصرخ الجهني : يااااا معشر الأنصار ..
وصرخ جهجاه : يااااا معشر المهاجرين ..
فثار الأنصار .. وثار المهاجرون ..
واشتد الخلاف .. والقوم قادمون من حرب .. ولا يزالون بسلاحهم !!
فانطلق .. حتى اطفأ ما بينهم ..
فتحركت الأفاعي ..
غضب عبد الله بن أبي بن سلول .. وعنده رهط من قومه الأنصار ..
فقال : أوقد فعلوها!! قد نافرونا .. وكاثرونا في بلادنا .. والله ما أعدُّنا وجلابيب قريش هذه .. إلا كما قال الأول : سَـمِّن كلبك يأكلك .. وجوِّع كلبك يتبعك !!
ثم قال الخبيث : أما والله لئن رجعنا الى المدينة .. ليخرجن الأعزُّ منها الأذلَّ ..
ثم أقبل على من حضره من قومه فقال : هذا ما فعلتم بأنفسكم .. أحللتموهم بلادكم .. وقاسمتموهم أموالكم .. أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم .. لتحولوا إلى غير داركم ..
وجعل الخبيث يهدد ويتوعد .. والذين عنده من أنصاره المنافقين .. يؤيدونه ويشجعونه ..
كان من بين الجالسين غلام صغير .. اسمه زيد ابن أرقم ..
فمضى إلى رسول الله فأخبره الخبر ..
وكان عمر بن الخطاب جالساً عند النبي ..
فثار .. كيف يجرؤ هذا المنافق على رسول الله بهذا الأسلوب القبيح .. ورأى عمر أن قتل الأفعى أولى من قطع ذيلها .. ورأى أن قتل ابن سلول .. يقضي على الفتنة في مهدها ..
ولكن أن يقتله رجل من قومه الأنصار .. أسلم من أن يقتله رجل من المهاجرين ..
ففقال عمر : يا رسول الله ..
من مر به عباد ابن بشر الأنصاري فليقتله ..
لكن رسول الله كان أحكم .. فهم قادمون من حرب .. والناس بسلاحهم .. والنفوس مشحونة .. وليس من المناسب إثارتهم أكثر ..
فقال : فكيف يا عمر اذا تحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه ؟!
لا يا عمر .. ولكن آذن الناس بالرحيل ..
وكان الناس قد نزلوا للتوّ واستظلوا .. فكيف يأمرهم بالرحيل .. في شدة الحر والشمس ..
ولم تكن عادته أن يرتحل في شدة الحر ..
ارتحل الناس ..
وبلغ عبد الله بن سلول أن رسول الله .. أخبره زيد بن أرقم بما سمع منه ..
فأقبل ابن سلول إلى رسول الله .. وجعل يحلف بالله .. ما قلت .. ولا تكلمت به .. كذب عليَّ الغلام ..
وكان ابن سلول رئيساً في قومه .. شريفا عظيما ..
فقال الأنصار : يا رسول الله .. عسى أن يكون الغلام أوْهمَ في حديثه .. ولم يحفظ ما قال الرجل ..
وجعلوا يدافعون عن ابن سلول ..
فأقبل سيد من سادة الأنصار .. أسيد بن حضير .. فحياه بتحية النبوة وسلم عليه .. وقال :
يا رسول الله .. والله لقد رحت في ساعة منكرة .. ما كنت تروح في مثلها !!
فالتفت إليه وقال : أو ما بلغك ما قال صاحبكم ؟
قال : أي صاحب يا رسول الله ؟
قال : عبد الله بن أبي ..
قال : وما قال ؟
قال : زعم أنه ان رجع الى المدينة أخرج الأعزُّ منها الأذلَّ ..
فثار أسيد وقال : فأنت والله يا رسول الله تخرجه إن شئت .. هو والله الذليل .. وأنت العزيز ..
ثم قال أسيد مخففاً على رسول الله :
يا رسول الله .. ارفق .. لقد جاءنا الله بك وإن قومه لينظمون له الخرز ليتوجوه .. فإنه ليرى أنك قد استلبته ملكاً ..
فسكت النبي .. ومضى براحلته .. والناس منهم من يجمع متاعه .. ومنهم من يرحل راحلته ..
وجعلت الحادثة تنتشر .. وصارت أحاديث الجيش : .. لماذا ارتحلنا في هذا الوقت .. ماذا قال ؟ كيف تعامل معه ؟ صدق ابن سلول .. لا بل كذب ..
وبدأت الشائعات تزيد .. والكلام يزاد فيه ويُنقَص .. واضطرب الجيش .. وهم في طريقهم من قتال .. ويمرون بقبائل أعداء يتربصون بهم ..
فشعر أن الجيش بدأ ينقسم .. فأراد أن يشغلهم عن المشكلة .. وعن النقاش فيها .. لأنهم يزيدون أوارها .. ويشعلون الفتنة بين المهاجرين والأنصار ..
وصار الناس يترقبون متى ينزلون حتى يجتمع بعضهم إلى بعض ويتحدثوا في الأمر ..
فمشى بالناس يومهم ذلك والشمس فوقهم .. ومشى ومشى حتى غابت الشمس .. فظن الناس أنهم سينزلون للصلاة ويرتاحون .. فلم ينزل إلا دقائق معدودات .. صلوا ثم أمرهم فارتحلوا .. وواصل المشي ليلتهم حتى أصبح ..
ثم نزل فصلى الفجر .. ثم أمرهم فارتحلوا ..
ومشوا صباحهم حتى تعبوا .. وآذتهم الشمس ..
فلما شعر أن الإرهاق والتعب سيطر عليهم .. فليس فيهم جهد للكلام ..
أمرهم فنزلوا .. فما كادت أجسادهم تمس الأرض .. حتى وقعوا نياما ..
وإنما فعل ذلك ليشغل الناس عما حدث ..
ثم أيقظهم .. وارتحل بهم .. وواصل حتى دخل المدينة .. وتفرق الناس في بيوتهم عند أهليهم ..
وأنزل الله تعالى سورة المنافقين :
( هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ * يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ ) ..
فقرأها رسول الله .. ثم أخذ بأذن الغلام زيد بن أرقم .. وقال : هذا الذي أوفى لله بأذنه ..
وبدأ الناس يسبون ابن سلول .. ويلومونه ..
فالتفت إلى عمر وقال : أرأيت يا عمر .. لو قتلته يوم ذكرت ذلك .. لأرعدت له أنوف لو أمرتها اليوم بقتله لقتلته ..
ثم سكت عنه .. فلم يتعرض له بشيء ..
وأحياناً إذا وقع الخطأ أمام الناس قد تحتاج أن تنكر عليه بأسلوب مناسب .. وإن كان أمام الناس ..
بينما رسول الله جالساً يوماً مع أصحابه .. وكانوا في أيام قحط .. واحتباس مطر .. وقلة زرع ..
إذ أتاه أعرابي فقال :
يا رسول الله جهدت الأنفس .. وضاعت العيال .. ونهكت الأموال .. وهلكت الأنعام ..
فاستسق الله لنا .. فإنا نستشفع بك على الله .. ونستشفع بالله عليك ..
فتغير رسول الله .. لما سمعه يقول نستشفع بالله عليك ..
فالشفاعة والواسطة تكون من الأدنى إلى الأعلى .. فلا يجوز أن يقال إن الله يشفع عند خلقه .. بل يأمرهم جل جلاله .. لأنه أعلى وأرفع ..
فقال : ويحك !! أتدري ما تقول ؟!!
ثم جعل يقدس الله .. ويردد .. سبحااان الله .. سبحااان الله ..
فما زال يسبح حتى عُرف ذلك في وجوه أصحابه ..
ثم قال :
ويحك !! إنه لا يُسْتَشفعُ بالله على أحد من خلقه .. شأنُ الله أعظم من ذلك ..
ويحك !! أتدري ما الله ؟! إن عرشه على سماواته لهكذا .. وقال بأصابعه مثل القبة عليه .. وإنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب .. ( ) ..
ولكن إذا وقع الخطأ من الشخص لوحده قد يكون هناك شيء من اللين ..
أتى رسول الله r إلى بيت عائشة t في ليلتها ..
فوضع نعليه من رجليه .. ووضع رداءه .. واضطجع على فراشه ..
فلبث كذلك .. حتى ظن أن عائشة قد رقدت ..
فقام من على فراشه .. ولبس رداءه ونعليه .. رويداً ..
ثم فتح الباب رويداً .. وخرج .. وأغلقه رويداً ..
فلما رأت عائشة ذلك .. دخلتها غَيْرةُ النساء .. وخشيت أنه ذهب إلى بعض نسائه ..
فقامت .. ولبست درعها .. وخمارها .. وانطلقت في إثره .. تمشي وراءه .. دون أن يشعر بها ..
فانطلق r .. يمشي في ظلمة الليل .. حتى جاء مقبرة البقيع ..
فوقف عندها .. ينظر إلى قبور أصحابه .. الذين عاشوا عابدين .. وماتوا مجاهدين .. واجتمعوا تحت الثرى .. ليرضى عنهم من يعلم السرَّ وأخفى ..
أخذ r ينظر إلى قبورهم .. ويتذكر أحوالهم ..
ثم رفع يديه فدعا لهم .. ثم أخذ ينظر إلى القبور .. ثم رفع يديه ثانية فدعا لهم ..
ثم لبث ملياً .. ثم رفعها فاستغفر لهم ..
وأطال القيام .. وعائشة تنظر إليه من بعيد ..
ثم التفت r وراءه راجعاً ..
فلما رأت ذلك عائشة .. انحرفت إلى ورائها راجعة .. خشية أن يشعر بها ..
فأسرع r مشيه .. فأسرعت عائشة ..
فهرول .. فهرولتْ .. فأحضرَ – أي جرى مسرعاً - فأحضرتْ وجرت ..
حتى سبقته إلى البيت فدخلت ..
ونزعت درعها وخمارها .. وأقبلت إلى فراشها فاضطجعت عليه .. كهيئة النائمة .. ونفَسها يتردد في صدرها ..
فدخل r البيت .. فسمع صوت نَفَسها .. فقال :
مالك يا عائش .. حشياً رابية ..
قالت : لا شيء ..
قال : لتخبرني .. أو ليخبرني اللطيف الخبير ..
فأخبرته بالخبر .. وأنها غارت عليه .. فانطلقت تنظر أين يذهب ..
فقال r : أنت الذي رأيتُ أمامي ؟
قالت : نعم ..
فدفعها في صدرها .. دفعة .. ثم قال :
أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله ..
فقالت عائشة : مهما يكتمِ الناسُ .. يعلمه الله عز وجل ..؟
قال : نعم .. ثم قال r مبيناً لها خبر خروجه :
إن جبريل عليه السلام .. أتاني حين رأيت .. ولم يكن يدخل عليك وقد وضعت ثيابك ..
فناداني .. فأخفى منك فأجبته وأخفيته منك .. وظننت أنك قد رقدت .. فكرهت أن أوقظك .. وخشيت أن تستوحشي .. فأمرني أن آتي أهل البقيع فأستغفرَ لهم ..
نعم .. كان صلى الله عليه وسلم .. سهلاً لـيِّناً لا يكبر الأخطاء ..
بل كان يرددها في الناس ويقول :
كما عند مسلم : لا يفرك مؤمن مؤمنة .. إن كره منها خلقاً .. رضي منها آخر ..
أي لا يبغضها بغضاً تاماً .. لأجل خلق عندها .. أو طبعٍ يلازمها ..
بل يغفر سيئتها لحسنتها .. فإذا رأى خطأها تذكر صوابها .. وإذا شاهد سوءها تذكر حسنها ..
ويتغاضى عما يكرهه من خلقها .. وما لا يرضاه من تعاملها ..
إضاءة ..
ليس اللوم على من لا يقبل النصيحة .. وإنما على من يقدمها بأسلوب غير مناسب ..
تعاليق
رد: مفاتيح الأخطاء!
الثلاثاء مايو 17, 2011 11:38 pmصالح الرويعي
يعطيك العافية
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى